جميل هذا الغزل الذي شهده موقع تويتر مساء أمس بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون لمناسبة دخول العهد سنته الثالثة، لكن هذا الغزل بقي ضمن إطار المجاملات التي تفرضها المناسبات، من دون أن يترجم حلا للعقدة السنية التي تشتد صلابة وتهدد الحكومة برمتها في أمتارها العشرة الأخيرة قبل أن تخرج الى النور.
في المجاملات الكل يحرص على الكل، أما في الترجمة العملية على الأرض، فإن الشاطر من ينفخ حجمه ويحاول أن يقضم حصة الآخر، وأن يصادر صلاحياته.
بات واضحا في كل ما يحصل أن رئاسة الحكومة هي المستهدفة ومن ورائها الطائف، خصوصا أن الأعراف في ″العهد القوي″ باتت أكثر وأقوى من النصوص، حتى أن الحكومة التي لم تصدر مراسيمها بعد، باتت مكشوفة بالأسماء والحقائب، وصولا الى قيام القوات اللبنانية بتوزيع نبذة عن وزرائها، وإستغناء تيارات سياسية أخرى عن التسريبات الاعلامية مقابل الاعلان الصريح عن أسماء من إختارتهم للتوزير.
فماذا تبقى للرئيس المكلف عند تشكيل حكومته؟، وأين سرية المداولات والمشاورات؟، وما معنى أن يصار الى إعلان حكومة سبق أن أعلنت كل التيارات السياسية أسماء وزرائها؟، حتى أن البعض منهم كاد أن يتفقد الوزارة التي سيشغلها قبل إصدار مرسوم تعيينه وزيرا.
اللافت أن الرئيس سعد الحريري قد إرتضى بكل هذه التجاوزات، ربما بفعل التنازلات الكثيرة التي قدمها أو التي فرضت عليه، وقد تناسى أنه صاحب الكلمة الفصل، وأنه من يشكل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، حيث لم يتوان في العقدة السنية عن التهديد بأنهم ″إذا أصروا على تمثيل النواب السنة في 8 آذار من حصتي، فليفتشوا عن غيري″، فهل الحريري رئيس مكلف فرضته أكثرية نيابية وتوازنات سياسية وطائفية، وشريك أساسي في تركيبة الحكم؟، أم أنه مجرد موظف إرتضى لنفسه أن ينفذ مهمة محددة، لكي يطلب التفتيش عن غيره في حال تم إجباره على ما لا يريد؟، ومن الذي يستطيع أن يفرض على رئيس الحكومة شيئا لا يريده؟، وهل يحتاج الحريري الى أن يحرّك شارعه رفضا لتمثيل نواب سنة 8 آذار، وهو رئيس الحكومة المكلف الذي يمنحه الدستور كامل الصلاحيات؟، علما أن الحريري كان قادرا على إستيعاب رغبة اللقاء التشاوري والتفاهم مع أعضائه، بدل أن يفسح المجال لحزب الله أن يشاركه صحنه الحكومي!..
من الواضح أن العقدة السنية لم تكن حاضرة إلا في جدول أعمال أصحابها في اللقاء التشاوري الذين وصل بهم الأمر بداية الى توجيه الانتقادات الى حلفائهم لا سيما حزب الله لعدم تبنيهم أمر تمثيلهم في الحكومة، في وقت كان فيه حزب الله ينتظر فكفكة العقدتين الدرزية والمسيحية، والتوافق على الأحجام، ليغلق الباب أمام عملية التأليف ويرمي مفتاحه في حضن اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين، في حين أن رئيس الجمهورية ظن أن أجواء التوافق القائمة قد تدفع حزب الله الى التخلي عن حلفائه السنة.
أما الرئيس الحريري فيبدو أنه كان على قناعة أنه بمجرد الانتهاء من العقدة المسيحية، سيكون قادرا على إنجاز التشكيلة الكاملة وتقديمها الى الرئيس عون غير المتحمس لتمثيل سنة 8 آذار، حيث يصار الى إصدار المراسيم التي ستضع حزب الله أمام الأمر الواقع، لكن حسابات الحريري لم تتطابق مع بيدر رئيس الجمهورية الحريص على إرضاء حلفائه ولا مع بيدر حزب الله الذي أعلن صراحة أن ″لا حكومة من دون تمثيل اللقاء التشاوري″، راميا الكرة في ملعب الرئيس المكلف لحل هذه الأزمة.
حتى الآن لا حلول في الأفق، فرئيس الجمهورية أبلغ الحريري عبر الوزير جبران باسيل رفضه تمثيل النواب السنة من حصته، ورد الحريري برفض مماثل وبنبرة أعلى، فيما حزب الله يزداد إصرارا على هذا التمثيل، ما يشير الى بداية حرب سقوف مرتفعة قد يعرف اللبنانيون كيف تبدأ لكن أحدا لا يعلم الى أين يمكن أن تصل في ظل التحريض الحاصل.
في ظل هذا الواقع، دخلت الحكومة مجددا الى ثلاجة الانتظار، ورفع الرئيس نبيه بري كفيه بالدعاء الذي بات بنظره هو الحل الوحيد!..