كل الأجواء الإيجابية التي سادت الوسط السياسي والشعبي، بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس المكلف سعد الحريري عن التوصّل إلى حلحلة العقدة المسيحية المتمثلة بـ«القوات اللبنانية»، بعد مبادرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بالافراج عن الدرزي الثالث لخيار رئيس الجمهورية، عادت وتبددت أواخر الأسبوع المنصرم اثر رفض حزب الله إعطاء الرئيس المكلف أسماء وزرائه الشيعة الثلاثة ليسقطها على الحقائب الوزارية التي رسمت له، الا إذا وافق الرئيس الحريري على توزير أحد النواب السنّة من فريق 8 آذار ودخلت البلاد من جديد في أزمة وزارية مستعصية على الحل، خصوصاً وان الرئيس المكلف رفض طرح حزب الله بأي شكل من الاشكال، وهدد صراحة بالاعتذار وترك البلد إلى المجهول.
أمام هذا الوضع، يصح القول بأن الأزمة الوزارية عادت إلى ما قبل المربع الأوّل إلا إذا وافق رئيس الجمهورية على ان يتنازل عن الوزير السنّي الذي أُُعطي له إرضاء لحزب الله، الأمر الذي رفضه الرئيس عون وما زال يرفضه بالرغم من عدم انقطاع الاتصالات معه من أكثر من جهة لاقناعه بهذا الحل الذي يخرج الأزمة الوزارية من عنق الزجاجة بوصفه الحل الوحيد الذي لا يزال ممكناً بعدما تبلغ من حزب الله ومن رئيس حركة «امل» الرئيس نبيه برّي رفضهما القاطع ان يكون الوزير السنّي من حصتهما كما حصل في حكومة سابقة عندما قَبِل الثنائي الشيعي بتوزير النائب كرامي من حصة الوزراء الشيعة الستة.
والسؤال المطروح الآن بين الأوساط السياسية هو: لماذا ادخل حزب الله، الذي كان من أشدّ المتحمسين إلى الاستعجال لتشكيل الحكومة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية الكثيرة الضاغطة، عقدة تمثيل سنّة 8 آذار وهو يُدرك جيداً ان الرئيس المكلف يرفض ذلك؟ وبالتالي هل هناك جهات خارجية طلبت منه عرقلة التأليف لأن المخاض الذي تمر به المنطقة، يتطلب ان يبقى لبنان مأزوماً وورقة في يد هذا الخارج يستخدمها لتحسين شروطه؟ وهل ان الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله أبرم اتفاقاً مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عندما اجتمع به قبل عدّة أسابيع يقضي بإبقاء الأزمة الوزارية مفتوحة إلى ان تنجلي صورة التطورات التي تعصف بالاقليم، ان على صعيد مستقبل الأوضاع في سوريا أو على صعيد الحرب في اليمن، أم ان الموقف الذي اتخذه الحزب والذي أدى إلى تبديد كل التفاؤل الذي اشاعه الرئيس المكلف هو من أجل حمله على تقديم مزيد من التنازلات على صعيد التأليف تتيح للحزب وللتيار الوطني الحر الإمساك بالقرارات المهمة بما يتيح لرئيس الجمهورية ان يصبح الحاكم الفعلي في البلاد ويسقط الدور الذي كان يضطلع به رئيس الوزراء السنّي وفقاً لنصوص وثيقة الوفاق الوطني؟ الأمر الذي استنفر مجلس المفتين السُنّة ودفعه إلى إصدار بيان حذر فيه من التطاول على صلاحيات رئيس الحكومة، وشاعت معلومات نُفيت لاحقاً بأن تيّار «المستقبل» يهيئ الأرضية لاطلاق موجة تظاهرات شعبية دعماً لموقف الرئيس المكلف ورفضاً لأي مساس أو افتئات على صلاحيات رئيس الحكومة السنّي أو لابتزازه سياسياً وتأخير عملية تشكيل الحكومة التي هي حاجة وطنية في ظروف دقيقة وحساسة يمر بها لبنان، خصوصاً في ظل الصراعات في دول الجوار كما جاء في متن البيان الذي صدر عن المجلس.
بعض الأوساط السياسية تميل إلى ترجيح الاعتبارات الخارجية على الداخلية، ولا تستبعد ان يكون وراء دخول حزب الله على خط عرقلة التأليف ايعازات خارجية وتحديداً إيرانية على أبواب البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية، وترى ان لا مصلحة لإيران في ظل هذا الوضع ان تحل الأزمة الحكومية في لبنان في حين ان أوساط أخرى تستبعد وجود ضغط إيراني على حزب الله من أجل تأخير تشكيل الحكومة إلى ان تتبلور الأمور في الإقليم وترسو على حل ما، خصوصاً وان الحزب ليس بمنأى عن التطورات الجارية، ليس بوصفه حليفاً لإيران وحسب وإنما للدور الذي لعبه على صعيد الأزمة السورية من جهة، وعلى صعيد الإقليم من جهة ثانية، وإن كانت أوساط الحزب ترفض كل هذه الاعتبارات، وتؤكد على ان مطلبها تمثيل النواب السنّة خارج تيّار «المستقبل»، يستند إلى المعايير التي اعتمدها الرئيس المكلف في توزيع الحصص، والتي تعطي هؤلاء الحق في ان يتمثلوا بوزير في الحكومة، ومن هنا اتخذ الحزب هذا الموقف، وعلى الرئيس المكلف ان يختار بين الأخذ به أو البقاء في حال المراوحة التي لم يعد الوضع الاقتصادي الضاغط يسمح باستمرارها.
وبعيداً عن كل هذه الاعتبارات والتحليلات فإن ثمة إجماعاً داخل الوسط السياسي على ان أزمة تأليف الحكومة عادت إلى ما قبل المربع الأوّل، بل إلى نقطة الصفر، بما يجعل الصورة سوداوية، ويذكر الجميع بأزمة انتخاب رئيس الجمهورية التي استمرت أكثر من سنتين ونصف سنة إلى ان رضخ الجميع لمشيئة حزب الله.