استطاع الوفد الأميركي، برئاسة المبعوث الجديد إلى سوريا جيمس جيفري، شد مواقف ممثلي دول «المجموعة الصغيرة» الغربية - العربية خلال اجتماعهم في لندن، وسط توقعات بتقديم واشنطن «حزمة من الإجراءات»، بينها عقوبات ضد دمشق بالتزامن مع حذر إزاء حدود التصعيد الأميركي إلى ما بعد مرور لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين في باريس في 11 نوفمبر (تشرين الثاني).
قد يكون لقاء المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق، الأربعاء الماضي، محطة أساسية، إذ إن المعلم أبلغ بوضوح ضيفه أن موضوع تشكيل اللجنة الدستورية أمر سيادي، وأن دمشق تريد ثلثي اللجنة ورئاستها، وأن تعقد اجتماعاتها في العاصمة السورية، وأنها لم توافق على البيان النهائي لمؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، الذي تضمن عمليات تشكيل اللجنة في جنيف ومن قبل المبعوث الدولي. كان هذا بمثابة رد على دعوة واشنطن وحلفائها، دي ميستورا، لتشكيل اللجنة من قائمتي الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، وعقد اجتماعاتها في جنيف قبل نهاية أكتوبر (تشرين الأول) أو قبل نهاية نوفمبر.
المفاجأة حصلت خلال القمة الروسية - الألمانية - التركية - الفرنسية في إسطنبول، السبت الماضي، عندما قال الرئيس فلاديمير بوتين إنه لا يستطيع الضغط على دمشق لتشكيل اللجنة الدستورية، باعتبار أن هذا «أمر سيادي». وتزامن ذلك مع تبلغ رئيس «الهيئة التفاوضية السورية» المعارضة نصر الحريري من الجانب الروسي في موسكو أن «شريكنا السوري صعب، ويجب الصبر علينا لإقناعه بالتحرك».
وبعد مفاوضات ماراثونية خلال القمة الرباعية التي استمرت خمس ساعات، «تنازل» الرئيس بوتين بأنه وافق على العمل على تشكيل اللجنة الدستورية «قبل نهاية العام»، وليس نهاية الشهر الحالي أو الذي يليه. لكنه لم يقدم وعداً ملزماً إزاء النقطة الثانية على جدول الأعمال، وهي إعلان «هدنة دائمة في إدلب» بموجب طلبات الرئيسين رجب طيب إردوغان والفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
ونقل ممثلا فرنسا وألمانيا في اجتماع «المجموعة الصغيرة»، التي تضم أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن في لندن، الاثنين، أن القمة الرباعية نجحت في تحقيق أمرين: تشكيل اللجنة الدستورية، وبقاء الوضع في إدلب على ما هو عليه. لكنهما، بحسب معلومات لـ«الشرق الأوسط»، لم يشرحا تفصيلاً المرونة التي قدمت في القمة إزاء المساعدات الإنسانية والإعمار، أن الرئيس الفرنسي وافق على المساهمة في «البنية التحتية الإنسانية التي تشمل الكهرباء والمياه» في سوريا.
يبتعد هذا الموقف عن واشنطن التي وضعت مبادئ محددة ملزمة لشركائها، للمساهمة في إعمار سوريا، بينها تحقيق الانتقال السياسي. وعُلم أن السفير جيفري كرر موقف بلاده، ذلك أنه أبلغ محاوريه في لندن أن الموقف الأميركي بات أكثر انسجاماً من السابق، ويتضمن وحدة المؤسسات الأميركية وراءه، وأنه يتضمن البقاء عسكرياً شرق سوريا، والإصرار على المحاسبة والمساءلة، وتنفيذ عملية سياسية تتضمن «انتقالاً سياسياً» بموجب القرار 2254، إضافة إلى خروج إيران وميلشياتها من سوريا.
وبعدما قال جيفري هذه المواقف، كرر ممثلو الدول المشاركة مواقف صلبة، وتنويههم بموقف «هيئة التفاوض» المعارضة وتجاوبها مع مقترحات الأمم المتحدة، إضافة إلى التأكيد على التمسك بتنفيذ القرار 2254 لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ودعم موقف الأمم المتحدة في تشكيل لجنة دستورية برعاية الأمم المتحدة ومعاييرها، و«رفض إعطاء شرعية للجنة دستورية لا تمتلك هذه المقومات»، بحسب قول أحد الممثلين، الذي شكك بـ«نيات ورغبات موسكو واحتمال عملها على شراء الوقت».
وفي ضوء مأسسة الموقف الأميركي، أبلغ مسؤولون أميركيون محاوريهم في العاصمة البريطانية أن المرحلة المقبلة ستشهد «حزمة إجراءات ضد دمشق»، بينها عقوبات على رجال أعمال ومؤسسات في الحكومة السورية واستعراض عسكري شرق سوريا، إضافة إلى قيام وفد أميركي بالذهاب إلى عمان للتأكد من التزام الحكومة الأردنية بقائمة العقوبات المفروضة على دمشق ومؤسساتها بعدما تم فتح معبر نصيب.
لكن المسؤولين الأميركيين نصحوا بـ«الحذر» إزاء المرحلة المقبلة بسبب ثلاثة أمور: الأول، توقع قيام دمشق وحلفائها باختبارات عسكرية وتحريك العشائر ضد حلفاء واشنطن واحتمال تعرض الجيش الأميركي لخسائر بشرية تضغط على ترمب للانسحاب.
الثاني، قيام أنقرة بالضغط على الأكراد شرق الفرات، خصوصاً بعد حصولها على غطاء في القمة الرباعية بـ«رفض أي أجندة انفصالية» في سوريا، مع أن واشنطن تسعى إلى التفاهم مع أنقرة إزاء ترتيبات مقبولة انطلاقاً من تجربة التعاون في منبج. الثالث، نتائج لقاء ترمب - بوتين واحتمال إبداء الرئيس الأميركي «مرونة غير متوقعة»، وعلى عكس نتائج قمة هلسنكي منتصف يوليو (تموز)، التي أظهرت عدم رغبة الكرملين بالضغط على إيران في سوريا.