نجح الحكيم، وبحكمة كبيرة بتخطي خيار المشاركة بالحكومة، فهو لم يوافق على الحصة القواتية فقط، وإنما رمى بوجه المتآمرين عليه ما لم يتوقعونه من خيارات جعلت الفريق الآخر يبدو بمظهر الأولاد بالسياسة وبقلب المعايير، وهذا متوقع من مخضرم عتيق باللعبة اللبنانية وأساليبها.
فلم يستجب حكيم القوات إلى القبول بحصته فقط وإنما سارع إلى تسليم أسماء وزرائه إلى الرئيس المكلّف والإعلان عنهم، مما أحدث صدمة ثلاثية الأبعاد.
فإذا كانت الصدمة الأولى هي الموافقة، فإن الصدمة الثانية هي بتسمية وزيرين مارونيين لتأتي صدمة الصدمات بتسمية مي شدياق لوزارة الثقافة وهنا بالتحديد أتت ضربة المعلم .
ويكفي لأي متابع لردة فعل جمهور ما كان يُسمى ب 8 آذار على تسمية مي، وحالة الإمتعاض الكبير والتأفف والإستنكار ليدرك حجم الصدمة والإعصار التي خلفتها هذه التسمية.
إقرأ أيضًا:لا تتركنا يا حكيم بين أنيابهم
فقيمة مي شدياق ليست بسبب جرأتها الإستثنائية ولا هي بحجم تجربتها الإعلامية والصحافية وطبعاً ليست بسبب قدراتها العلمية والفكرية فقط، قيمة مي شدياق الحقيقية أنها الشهيدة التي حاولوا قتلها والنيل منها في فترة زمنية غابرة من الوصاية، وهي رمز حقيقي لإرادة التحدّي والوقوف بوجه أي وصاية على لبنان واللبنانيين، هي عنوان حيّ للتحدّي وقول كلمة الحق في وجه من يريد كسر إرادة الحياة في لبنان.
إن وجود مي شدياق بالحكومة العتيدة (إن شكلت)، فهذا يعني أن صرخة مستمرة ستدوي في أرجاء الوطن مع كل إنعقاد لمجلس الوزراء، يعني أن مرحلة من القمع والإغتيالات والتحدّي ستكون حاضرة يومياً في الحياة السياسية اللبنانية، ويعني أن شاهداً حي قام من بين الأموات سيكون حاضراً بقوة في وجدان اللبنانيين، يعطي مثالاً عملياً بأن قيامة لبنان ممكنة تماماً كما قامت مي.
أعتقد جازماً بأن تسمية مي شدياق تحديداً هو ما أعاد خلط الأوراق من جديد، فمن أرادوا موتها لا يحتملون وجودها في أروقة الحكومة، وكأني بهم ينظرون إلى الحكومة الثلاثينية المزمع عقدها هي عبارة عن 29 وزير ومي شدياق (مع الإحترام لبعض الآخرين) وهذا ما لا يمكن أن يطيقونه.
صحيح أن ما كان يسمى "بعقدة القوات" قد حلّت بالظاهر، إلا أنه بالحقيقة فإن العقدة من القوات قد بدأت واقعياً بعد تسمية مي شدياق، وان كل ما نسمعه من بروز عقد جديدة (سنة 8 آذار) وما سوف نسمعه (وزراء موارنة)، ما هي إلا إرتدادات للعقدة من مي، وسيأتي اليوم الذي يُقال فيه لسمير جعجع: "شيل مي وخود لي بدك ياه"، لأن مي شدياق هي عندهم عقدة العقد.