يحكى ان أفراد بطانة أحد أباطرة الصين الذي استولى على العرش في زمن بعيد، كانوا مساكين. يتحطم القلب لدى الاستماع الى مظلومياتهم. معاناتهم كانت صعبة بحق. هناك من كان يترصدهم، وحقوقهم كانت منهوبة من الشركاء في السلطة الذين يريدون سلبهم حقائب هي من صلب حقوقهم الشرعية، وهي الوسيلة لتحقيق انجازاتهم الموعودة التي تبرر استئثارهم بالسلطة.
مشكلة هؤلاء الشركاء انهم لم يفهموا حجم المؤامرة التي ساهموا فيها للقضاء على "عهد الأمبراطور"، فهم لم يشاهدوا فيلم "for love or country"، وفيه يؤدي الممثل اندي غارثيا دور عازف البوق الكوبي ارتيرو ساندوفال الذي تمرد وارتدّ وهرب من نظام فيديل كاسترو.
يقول ارتيرو لدى تلفيق تهمة الاتجار بالمخدرات لأحد اركان النظام ومحاكمته واعدامه: "جريمة الرجل انه أصبح اكثر شعبية من كاسترو بعد انتصارات حققها لمصلحة النظام. الامر ممنوع. وحده الديكتاتور يجب ان يكون زعيماً شعبياً، او الموتى. اما الاحياء فممنوع عليهم تحقيق إنجازات هي حكر على الديكتاتور دون سواه، حتى لو كانوا من أركان النظام".
من يفهم العبرة، يعرف ان أفراد البطانة كانوا مساكين، ولا سيما عندما يتحدثون عن مؤامرات النيل من المعجزة المتمثلة بقائد تاريخي اسطوري. وعلى الشعب ان يركع ويقبّل التراب كل صباح وكل مساء لأن الفرصة التي منّت بها عليهم الآلهة قد لا تتكرر، واغفالها جريمة موصوفة.
قمة المعاناة تظهر جلية عندما أرغمهم ظلم الأقربين والأبعدين على استخدام لغة طائفية، هم بعيدون كل البعد عنها، لكنه الغبن الذي لا بد من مقاومته ليتمكنوا من المطالبة بهذه الحقوق المكتسبة والممكن اكتساب المزيد منها، التي لا ينص عليها دستور بلاد الماو ماو.
لعل المشكلة في سوء الفهم، والمواجهة وضعت الأمبراطور وبطانته من أهل البيت تحت رحمة الاضطهاد وخطر الاستضعاف في حين ان المرحلة كانت تتطلب تغليب شعار القوة لمصلحة الشعب العظيم، المدعوّ الى مزيد من الانتصارات والاحتفالات. فالصراع على السلطة الذي قاده أعوان الأمبراطور، ليس لأغراض خاصة. ومن يروّج لذلك، فرق الإعدام المعنوي تقف بالمرصاد للإجهاز عليه. فالاعدامات الجسدية، مع الأسف، لم تكن على الاجندة. وحبذا لو كانت متاحة لكان في الإمكان تنظيف الساحة والاستفراد بها.
قمة التضحية هي في اجتذاب الكراهية التي لا بد منها للإطباق على السلطة. وطبيعي ان يرضى بهذه التضحية أقرب الأقربين لتحقيق مشروع الأمبراطور خدمة لمصلحة الشعب العظيم، الذي يعلل نفسه بخطط خلّبية لم ير التاريخ القديم او الحديث مثلها.
لذا، زيحوا من الدرب وسلِّموه محتوى الخزينة واحتياطي الذهب والغالي والنفيس، ودعوه يتحفكم بإنجازاته.
على الشعب العظيم ان يؤمن وينتظر الخطط والمؤتمرات ليبتهج.
آخر صرعة كانت رفع عنوان "مقاومة الفساد"، على أساس ان المقاومة مثّلت الغطاء الشرعي لكل المشاريع الإصلاحية الذي تتيح احتكار الوزارات.
بالطبع لم يكن مطلوباً من الشعب التوقف عند مفهوم "مكافحة الفساد" الذي لا يتطلب الا قرارات واضحة تقضي بتطبيق القوانين وليس الالتفاف عليها خدمةً للمحاصصة بقدر ما يسمح به مَن نصّب الأمبراطور أمبراطوراً.
أقرب الأقربين كان يقول للجميع: اصمتوا وسلِّمونا رقابكم ولا تدعوا الآخرين يسلبوا أمبراطوركم ذرة تراب قد يحتاجها ليتحفكم؟ ماذا تريدون أكثر؟ اشكروا ربّكم وأولياء نعمتكم لأنكم مواطنون في بلد تحفة يلعب أهل السياسة فيه تحت السقف، ويحترمون هرمية تقودهم نحو تقديس الـ"One man show" من خلال "One party show"، مع سيطرة طبقة من المستزلمين الاوفياء.
ففي ذلك الزمن، حتى القرف كان تحفة. والتحفة الكبرى شهدها الشعب العظيم عند إعلان الانتصار على المؤامرة في التشكيلة الموعودة. وبعد ذلك اقتنع مواطنو الأمبراطورية ان نهب مقتدرات البلاد هو لمصلحتهم والنفايات والمحارق التلوث وأعلى نسب السرطان كلها لمصلحتهم، وانقطاع الكهرباء والعدّادات لشرعنة سيطرة مافيات مولّدات الكهرباء، وشحّ المياه وعصابات الصهاريج التي تنهب المياه الجوفية، وعدم توظيف مَن نجح في امتحانات مجلس الخدمة، كلها لمصلحتهم.
فالأمبراطور وبطانته اعتمدوا خطة خلاّقة، تمكِّن كل فرد من أفراد هذا الشعب العظيم من اكتشاف مواهبه في مواجهة اصعب التحديات والانتصار عليها ليثابر ويتفوّق على نفسه حتى يستطيع البقاء على قيد الحياة وتأمين خبزه كفاف يومه. واذا كان من الشطّار فقد يلتحق بالبطانة ويشارك في تظهير التحفة التي لا مثيل لها على هذا الكوكب.
لا لزوم للتوقف عند تسليم البلاد الى وصاية أجنبية وشرعنة السلاح غير الشرعي وتحويل الدولة الى غرفة عمليات، تلعب اداراتها دور الوسيط بما يسمح بتبييض الأعمال والأموال حتى يتملّص الوصيّ من العقوبات المنتظرة.
أخيراً وليس آخراً، هذه الحكاية هي من نسج الخيال ورواية السيرة الوهمية لـ"عهد" أمبراطورٍ من الصين، مطلوبة في المرحلة الراهنة، ليتعظ اللبنانيون ويشكروا المولى عز وجل، صبحاً مساءً، لأنهم لم يعيشوا تحت رحمة هذا الأمبراطور وبطانته ومَن نصّبه ليُمِرّ مشاريعه.