لم تصدر مراسيم الحكومة، الأحد الماضي، ولا الاثنين ولا الثلاثاء، وبالتأكيد، من الصعب ان تكون الولادة اليوم، حيث تحل الذكرى الثانية لانتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، والذي من المتوقع بقوة ان يتناول في «حواره المفتوح» عبر وسائل الإعلام، تحت عنوان «سنتان من عمر وطن» مساء اليوم ما طرأ من جديد، تمثل بعقدة تمثيل سنة 8 آذار كشرط من شروط ولادة الحكومة، ومن حصة الرئيس المكلف سعد الحريري حصراً..
وتأتي الإطلالة التلفزيونية للرئيس عون، بعدما كان اللبنانيون ينتظرون طوال الأسبوع الفائت ومطلع الأسبوع الحالي ان تكون الحكومة هدية عشية بدء السنة الثالثة من عهد الرئيس عون.
واستبق إطلالة رئيس الجمهورية، وفقاً لما اشارت إليه «اللواء» في عددها أمس زيارة قام بها الرئيس الحريري إلى قصر بعبدا، حيث عقد لقاء على مدى ساعة ونصف، كانت عقدة تمثيل سنة 8 آذار والشروط المرتبطة بها، هي الطبق الرئيسي على طاولة اللقاء التشاوري، الذي تناول:
1- أسباب رفض الرئيس المكلف توزير أحد سنة المقربين من حزب الله، كما شرح له، وفقاً لمصادر مطلعة مسألة توزير احد النواب السنة من حصة رئيس الجمهورية.
2- مصادر العرقلة، ومخاطرها، وكيف حاول تذليل عقدها واحدة تلو الأخرى، على أساس ان «القوات اللبنانية» وافقت على المشاركة بما عرض عليها، فضلاً عن مبادرة النائب السابق وليد جنبلاط إلى وضع 5 أسماء دروز بين يدي رئيس الجمهورية، ليختار واحداً منهم كوزير ثالث..
3- وعرض الرئيس المكلف على رئيس الجمهورية الصيغة الحكومية الجاهزة على مستوى الحقائب وتوزيعها، وان الصيغة لم تكتمل لأن حزب الله رفض تسليم أسماء وزرائه الثلاثة، بانتظار حل عقدة سنة 8 آذار..
وتوقفت مصادر نيابية معنية عند تحرك نواب سنة 8 آذار، والتوقيت المريب، وتبني حزب الله للمطالبة بتوزير أحدهم من حصة تيّار المستقبل، ورأت هذه المصادر في هذا الطلب محاولة صريحة ومباشرة «لاذلال رئيس الحكومة»، وذكرت المصادر بأنه عندما كان فريق 14 آذار يشكّل الحكومة لم يكن يحاول ان يكون التمثيل الشيعي من شخصيات قريبة من 14 آذار وتيار المستقبل، من حصة حزب الله، أو حركة أمل. وحذرت المصادر نفسها من مخاطر اختراق الوضع، على النحو الجاري.
ومع ان أوساط دبلوماسية صديقة حاولت استكشاف مخاطر العقدة المستجدة، فإن البيان الصادر عن البنك الدولي، لجهة إعلانه، في تقريره أمس، ان «اطار مخاطر لبنان، يرتفع بشكل حاد»، مضيفاً ان «فائدة بعض الأدوات التي يستخدمها المصرف المركزي ستنفذ بعد سنوات من التطبيق».
وذكر التقرير ان المصرف المركزي حاول التصدّي للوضع من خلال تعزيز احتياطاته من العملات الأجنبية، وإطالة آجال الودائع، والحد من السيولة في السوق.
وجاء في التقرير: يرتفع إطار المخاطر الخاص بلبنان بشكل حاد في ظل اجتماع عدد من العوامل المحلية والعالمية السلبية، بما في ذلك الظروف النقدية العالمية.
وقال البنك الدولي: «اجتذاب رأس المال الكافي، وعلى وجه الخصوص الودائع، لتمويل حالات العجز في الميزانية والحساب الجاري، يبرهن على انه أمر صعب في ظل تباطؤ نمو الودائع، خاصة في ضوء ارتفاع أسعار الفائدة الاميركية».
وتخوفت مصادر سياسية من العودة إلى «مربع خطر» مع تزايد التحديات الاقتصادية و«الفراغ شبه الكامل على صعيد المبادرة الحكومية لمعالجة الاختلالات الاقتصادية»، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، واصفاً تدخلات المصرف المركزي في حال نجاحها بأنها تشكّل حلاً مؤقتاً، وهي «لا تخلو من مخاطر مالية كلية اضافية».
وكشفت المصادر ان الرئيس الحريري أظهر صلابة في مواجهة التحدي الجديد، انطلاقاً من تقديم شرح مقنع في ما خص رفضه تمثيل سنة 8 آذار، الذين وصلوا إلى المجلس بدعم مباشر من حزب الله، وان الأرقام التفضيلية التي جمعوها من أصوات السنة، لا تتجاوز 8٪ من مجموع الأصوات.
وأشارت إلى ان مواقف الرئيس الحريري تلقى دعماً سياسياً ونيابياً واسعاً، لا سيما لجهة دعم رؤساء الحكومات السابقين.
وعلى الرغم من محاولات التشويش، استدركت المصادر بأن الرئيس المكلف لا يزال يعمل على خط تأمين ولادة الحكومة العتيدة، من دون المسّ بصلاحياته..وبالتالي فإن العقدة الجديدة، لم تحبط الرئيس المكلف، وان رئيس الجمهورية سيجري ما يلزم من اتصالات، كذلك رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع حزب الله لرؤية ما يتعين فعله..
وقالت المصادر أن الرئيس الحريري، بموجب هذه القناعة لا يستطيع أيضاً، سوى ان يعتبر نفسه غير معني بتمثيل هؤلاء، وان الذي أوجد هؤلاء النواب، عليه ان يجد حلاً لتمثيلهم في الحكومة من حصته، وليس من حصة «المستقبل» الذي ما يزال يعتبر نفسه هو الممثل الشرعي للسنة في لبنان، مهما قيل خلاف ذلك، ومهما كانت النتائج التي اظهرتها الانتخابات النيابية.
لقاء بعبدا: سلبي
لا أحد، حتى الآن، يملك جواباً على السؤال، لكن الظاهر من الأمور، ان اللقاء البعيد عن الإعلام الذي جرى أمس بين الرئيسين عون والحريري لم تكن نتائجه إيجابية، أقله بالنسبة لتفهم رئيس الجمهورية لموقف الرئيس المكلف، فضلاً عن استعداد الأوّل لإيجاد مخرج لازمة تمثيل السنة من خارج «المستقبل»، إذ ان الرئيس عون، لم يقل ان الوزير السني المستقل سيكون من حصته، في حين اشاعت مصادر مطلعة على موقفه جواً مفاده ان «الموضوع ليس عنده»، وان كان أكّد ان تشكيل الحكومة يتم بالاتفاق بينه وبين الرئيس المكلف، لكن بدا جلياً، من بين السطور، ان المعايير التي تحدث عنها لتأليف الحكومة تنطبق على التمثيل السني المستقل.
وأشارت المصادر السياسية، إلى ان لقاء بعبدا، ناقش صيغاً للأزمة الراهنة، لكنها لم تقترن بحل نهائي، وتكتمت المصادر عن الإفصاح عن طبيعة هذه الصيغ، لكنها ردّت على من يقول ان المخرج قد يكون بجعل الوزير السني السادس من حصة الرئيس عون بالسؤال: لماذا يجب ان يقدم الرئيس المخارج دائما؟ في إشارة إلى المخرج الذي قدمه لحل العقدة الدرزية، وقبلها تنازله عن منصب نائب رئيس الحكومة للقوات.
وبدا من خلال النقاش الذي استغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة بين الرئيسين، ان المشكلة تحتاج إلى وقت قد يطول وبعده إلى تسوية على الطريقة اللبنانية، مع توضيح رئاسي بأن ما من طرف محدد يُشكّل الحكومة، في إشارة إلى «فيتو» «حزب الله»، كما ان رئيس الجمهورية يُدرك صلاحياته تماماً، وهو لا يمكنه فرض أي قرار لا يستسيغه الرئيس المكلف.
وفي المعلومات، ان لقاء بعبدا لم يكن مقرراً، أقله بالنسبة لأوساط «بيت الوسط»، بدليل ان نواب كتلة «المستقبل» حضروا في الموعد المحدد لاجتماعهم الأسبوعي، الا انهم فوجئوا ان الرئيس الحريري غادر «بيت الوسط» فجأة قرابة الرابعة والنصف عصراً، ثم عاد قرابة السابعة، بعدما طلب إلغاء الاجتماع.
وقالت مصادر «بيت الوسط» ان الرئيس الحريري أبلغ الرئيس عون، في اللقاء معه والذي حصل في الجناح الخاص لرئيس الجمهورية، موقفه من تمثيل سنة 8 آذار، من ضمن حصته، وعرض عليه الحقائب إلى حين اكتمال الأسماء التي ستتولى الوزارات، مشيرة إلى أن التشكيلة الحكومية جاهزة والحريري جاهز لتسليمها إذا ما سلم حزب الله أسماء وزرائه.
وبحسب هذه المصادر، فإن الطابة ليست في ملعب الحريري، بل في ملعب «حزب الله» الذي اوجد عقدة تمثيل سنة 8 آذار، والمفتاح بيد «حزب الله» لحلحلة هذه العقدة، ولفتت إلى ان ما يتم الحديث عنه من ان نواب 8 آذار حصلوا على 40 في المائة من الأصوات في الانتخابات النيابية الأخيرة كذبة.
تحرك النواب المستقلين
في هذا الوقت، بدأ النواب السنة المستقلون: فيصل كرامي وجهاد الصمد، وعدنان طرابلسي والوليد سكرية مسعى جديداً لمعالجة مسألة توزير أحدهم في الحكومة، في غياب النائب عبد الرحيم مراد وقاسم هاشم لوجودهما خارج لبنان، فزاروا أمس كلاً من الرئيس نبيه برّي والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، وسط تأكيدات من برّي والخليل على حق هؤلاء بالتمثيل في الحكومة.
وأكد الرئيس برّي امام زواره أمس ان اجتماع الرؤساء الثلاثة الذي كان يفترض ان يثمر اليوم (أمس) في قصر بعبدا، كان يتوقع حصوله الأحد الفائت، وقال: «يا خوفي أن يؤدي العناد في رفض توزير سني من المستقلين إلى إعادة تعقيد الأمور وتأخير ولادة الحكومة».
واعتبر الرئيس برّي ان الرئيس المكلف هو من يُشكّل الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية، ويفترض بهما إيجاد حل بتوزير سني من المستقلين، وقال مازحاً: هناك أكثر من عشرة يشاركون في تأليف الحكومة وليس واحداً منهم.
ونفى الرئيس برّي تدخله لحل عقدة سنة الثامن من آذار، وأشار إلى ان أحداً لم يطلب منه المساعدة، وقال: حتى عندما زارني الرئيس الحريري السبت الماضي لم يطلب ذلك، إنما أنا من اثار هذا الموضوع معه، وسألته ماذا ستفعل بتوزير سني من المستقلين؟
وقال: أنا منذ البداية نصحت بالحوار معهم، واعطائهم مقعداً، وليعودوا إلى حديثي في صحيفة «الجمهورية» عندما أكدت على هذا الموضوع.
وعن عادته في تقديم الحل السحري كما كان يفعل في السابق، قال الرئيس برّي انه كان ليقدم على تقديم هذا الحل لولا ان لديه التزامات مناطقية لا يمكنه التراجع عنها، هذا مع العلم ان كتلتي تضم من كل الطوائف من دون استثناء.
وعن قول الرئيس الحريري فليفتشوا عن غيري إذا اصروا على توزير سني من سنة 8 آذار قال: «لا مرشّح عندي غير الحريري».
وهذا الموقف عاد وأكّد عليه الخليل، مشدداً على انه ليس وارداً لدى «حزب الله» التراجع عن تكليف الحريري، الا انه أكّد ان مطلب النواب السنة محق، ونحن ندعمهم ونقف إلى جانبهم، و«حزب الله» كان أكثر المسهلين لتشكيل الحكومة برئاسة الحريري، نافياً وجود أي علاقة لأي استحقاقات خارجية بموقف الحزب، مشيراً إلى ان المعنيين يعرفون ان «حزب الله» منذ بداية المشاورات يطالب بتوزير سنة المعارضة.
معادلة الصمد
واوضح النائب الصمد لـ«اللواء» رداعلى سؤال عن نتيجة زيارتي بري والخليل: هدف الزيارتين هو عرض موقفنا وحقنا الطبيعي بالتمثيل في الحكومة، ونحن لا نسعى للتعطيل بل نريد الحكومة اليوم قبل الغد، لكن لا يمكنهم وضع معيار للتمثيل في الحكومة وتجاوز هذا المعيار في حقنا التمثيل، ان الكوتا السنية هي ستة وزراء في الحكومة، ونحن كلقاء للنواب السنة المستقلين من حقنا ان نتمثل في الحكومة من حصة الوزراء السنة لا من حصة اي طرف اخر، والموضوع عند الرئيسين عون والحريري لايجاد الصيغة لتمثيلنا نحن علينا ان نطالب بحقنا وهما عليهما وضع الاخراج لهذا الموضوع.
وعما كان الرئيس بري ينوي التحرك تجاه الرئيسين لمعالجة هذا الموضوع؟ قال الصمد: الرئيس بري لا ينتظرنا ليتحرك انطلاقا من حرصه ومن موقعه الوطني.
وحول دقة المعلومات عن ان «حزب الله» متمسك بعدم تشكيل الحكومة قبل اقرار حق النواب السنة بالوزارة؟ اوضح الصمد ان هذا الموقف معلن رسميا وليس سرا.
واوضح ردا على سؤال ان لقاء الرئيس عون ممكن ان يحصل لعرض موقف النواب السنة المستقلين. وقال: ان الرئيس عون اول من قال بتطبيق المعيار الواحد في تشكيل الحكومة.