يسرد معلوف من خلال شابٍ مولعٍ بولوج عالم أبطال الثورة، قصة «عصيان» وهو شابٌ عاش في لبنان وينتمي لأسرة تركية عريقة المجد، تمتدّ جذورُها إلى النعيم الزائل في ملك الدولة العثمانية، حيث يأتي والده إلى لبنان بعد أن تعذّر عليه العيش في بلده للفوضى والذعر السائد فيها، بعد أن تقوّصت أركانُ الدولة الحاكمة، مع والدته التي فقدت عقلها بعد أن شهدت بأمّ عينها مقتل أبيها السلطان، فقامت جدّته بتزويجها من طبيبها النفساني العجوز من أجل السعي لشفائها. ولكنّ حالها لم تتحسّن حتى بعد أن ولدت أباه، وعندما يموت جده يأتي بأمه إلى لبنان ويتزوج من ابنة صديقه الأرمني متحدّياً الأعراف السائدة بإقامة السدود بين الإثنين، وينجب «عصيان» و»عفت» و»سليم» الذي تموت زوجته أثناء ولادته.
ينشأ عصيان يتيماً، تحت كنف والدٍ يحثّه على أن يكون زعيماً ثورياً، بينما يضمر هو في داخله أن يصبح طبيباً. فيرحل إلى فرنسا التي كانت واقعة آنذاك تحت نير الإستعمار النازي، وينخرط لاإراديّاً وعن طريق الصدفة في صفوف المقاومة، ويكون دوره على الرغم من حجمه الصغير رائداً في عيون الآخرين، فيصبح بطلاً من أبطالها ويتعرّف إلى محبوبته «كلارا» النمساوية واليهودية الديانة، والتي تصبح زوجته فيما بعد، ولا يكمل حلمه في أن يكون طبيباً. عندما يعود إلى لبنان، يستقبله الأهل والناس على أنّه بطلٌ من أبطال الثورة، ويمنحونه هالة التقديس والزعامة والريادة، فيشارك في المحاضرات والمناقشات الثورية.
ويخبره أبوه بأنّ أخته عفت قد تزوجت وانتقلت لتعيش في مصر، وقد زُجّ أخوه في السجن لسنوات عدة لأنه جلب العار للعائلة إثر اتّهامه بعملية تهريب، وكاد أن يورّط جميع أفراد العائلة بعد أن جعل من المنزل مستودعاً للتهريب.
وتزوره كلارا وهي في طريقها إلى فلسطين مع خالها للإقامة فيها، والتي كانت تشهد نزاعاً دمويّاً بين اليهود والعرب، حيث اعتبرهما الكاتب معلوف ضحيّتين للسيادة النازية، التي همّشت عالم اليهود وكادت تسحقه، وكنّت الحقد والكراهية للعرب، وبنظره، فإنّ الإثنين يبحثان عن حقوقهما المهدورة، كلٌّ في ظلال وجود الآخر.
يتزوج قحطان من كلارا، ويتنقلان بين لبنان وحيفا، وسط الخطر الذي يحفّ بهما في كلّ هنيهة، ويتحدّيان خطورة الطريق والكره المتعمّق في قلوب العرب واليهود على حدّ سواء، وهما داعيان لمبدأ السلم والتوافق والتعايش. ولكنّ الحرب تصمّ الآذان وتندلع في فلسطين التي تقسم إلى دويلتين، ويضطر أن يترك زوجته في حيفا ويعود إلى لبنان بعد أن يسمع بمرض أبيه.
يذهب إلى لبنان وقد خرج أخوه سليم من السجن، وتقطع الطريق نهائيّاً بين حيفا وبيروت، ويموت أبوه ليصاب بلوثة عقلية على أثر الفاجعة، تعطي لأخيه سليم ذريعة ليودعه في مصحٍّ عقلي من أجل الإستيلاء على حصّته في الميراث.
يقضي في المصحّ أكثر من عشرين عاماً مخدّرَ الحواس بسبب الأدوية الكثيرة التي تُعطى له، تزوره خلالها ابنته الوحيدة ناديا، التي تولد في حيفا وتعلم بمرضه من خلال صديق والدها عند ذهابها للدراسة في فرنسا، ويحثّ نفسه على الهرب من المصحّ، ويتّجه إلى منزل أبيه حيث أصبح أخوه المجرم سليم رجلاً غنيّاً ووزيراً سياسيّاً معروفاً، ليجده جثة هامدة ولكنه لا يلمّح بمذكراته التي يتلوها الى شخص تعرّف عليه في فرنسا بهذا الأمر بل يخفيه إخفاءً تامّاً.
ويخبره بأنّه جاء ليقابل زوجته التي افترق عنها لسنوات طويلة بعد أن أرسل لها برسالة كي توافيه إلى المكان الذي التقيا فيه عندما قرّرا الزواج.
يحدث اللقاء وتبقى النهاية مفتوحة، فالأيدي تتلاقى والأرواح تتناجى، ولكنّ الحدث الأخير يبقى ضمن دائرة التساؤلات والغموض.
الحبكة سلسلة الإيقاع، متينة الجوانب، والصدى الصوتي يصل بوضوح للقارئ دون أيّ تشويش، والمتعة والدهشة عنصران مواكبان لقلم معلوف، ولكنّ التشتّتَ الفلسفي يبدو واضحاً في وجهات نظر تتقارب وتتباعد في سير التجهّم التصويري للكارثة الإنسانية لأبطالها.
في الرواية، هناك انعكاسٌ نفسي ووجهةُ نظر ذاتية ظاهرة، بنزعة معلوف للتصالح بين الشعوب، حيث جعل من كلارا رمزاً لليهود ومن قحطان مجسّماً للتمازج بين تركيا ولبنان، ليثبت بأنّ العداوة القائمة لا طائل منها وأنّ السلام في المحبة.