مسعى أصحاب المنافع والصفقات الحثيث لإخراج القوات اللبنانية من التشكيلة الحكومية، بات أمراً لا نقاش فيه وهذا ما دلت عليه العروضات وطريقة التوزيع والوزارات الممنوحة لهم، وصار معروفاً أن واحد من أهداف التيار الوطني الحر وآخرين هو إحراج القوات من أجل إخراجها.
وإن كان من حق القوات بل من واجبها أن ترفض إعطائها ما لا يليق بها وبحجم تمثيلها وحجم كتلتها النيابية، وأن تذهب إلى المعارضة، وكنا نحن المواطنون المتروكون على قارعة النهب والسرقات لنتفهم خيارها لو أننا نعيش ببلد تمارس فيها الديمقراطية البرلمانية بشكل طبيعي، ولو كنا ندرك بأن المعارضة من تحت قبة البرلمان يمكن أن تحقق الحد الأدنى من الرقابة والمحاسبة وبالتالي وقف الهدر والسرقات المتوقعة.
وأكثر من ذلك، لو أن البرلمان النيابي عندنا له فعالية البرلمانات في النظم الديمقراطية لكنا من أول المطالبين للقوات الخروج من الحكومة ولعب الدور الطبيعي لها حيث لا يجرؤ الآخرون بالوقوف في وجه السماسرة واللصوص وناهبي المال العام.
إقرأ أيضًا: القوات داخل الحكومة وبحصّة مقبولة هي حاجة لحزب الله
إلا أنّه ونحن في لبنان، حيث لا فعالية حقيقية للأحزاب وقوى الضغط إلا من خلال وجودها على طاولة مجلس الوزراء، حيث للإعتراض هناك وهناك فقط يؤتي أكله، وحيث للمشاريع والصفقات يمكن أن تتوقف حين يضرب من حولها على الطاولة كما جرى مع صفقة البواخر المشؤومة فهذا يحتم على القوات أن يكون وجودهم داخل التشكيلة الحكومية مطلب ملح ليس للقواتيين فقط بل لكل حرّ وشريف وحريص على المال العام بهذا البلد ولمن فعلاً يطمح لمحاربة الفساد وللتغير والإصلاح ليس بالشعارات وإنما بالممارسة اليومية.
قد يكون ترك الحكومة (كما ألمح بالأمس النائب جورج عدوان)، خطوة كبيرة لها تداعيات إيجابية بالمعنى السياسي على القوات اللبنانية، بالخصوص أننا قادمون على مرحلة صعبة جداً مع إقرار العقوبات الأميركية على حزب الله وخلفه على إيران وما لهذا الأمر من تداعيات كبيرة على لبنان، وعلى الأوضاع السياسية والإقتصادية وربما الأمنية، وبالتالي فوجود القوات خارج الحكومة قد يعفيها من مسؤولية أي تدهور قد يشهده البلد على كل هذه المستويات.
هذا بالمفهوم السياسي قد يبدو صحيحاً، لو أن الأطراف الأخرى تفكر وطنياً، ويهمها مصلحة البلد ولا تفكر من منظار ضيق جداً غير آبهة لا بالمصلحة العليا ولا بمصلحة المواطن حتماً، لأن خروج القوات من الحكومة سيفقدها بالضرورة عنوان حكومة الوحدة الوطنية التي تلجأ إليها كل بلدان العالم المتحضر تمهيداً لمرحلة صعبة متوقعة أو في حالات تعرض البلاد لمآزق سياسية أو أمنية كالتي ننتظرها.
إقرأ أيضًا: نعم، القوات اللبنانية تعطّل
وإن كنت أعتبر أن المتضرر الأول من خروج القوات اللبنانية من التشكيلة الحكومية المزمع تشكيلها هو حزب الله الذي ستوسم الحكومة ساعتئذ وكأنها حكومته (حكومة حزب الله)، وهذا ما لا يجب أن يكون، مما سيصعب عليه السكون في كنفها واللجوء إلى حضنها، بل ستتحول هي نفسها إلى عبء عليه وعلى كل اللبنانيين وسيفقدها أي قدرة على المواجهة وحماية لبنان من تداعيات المرحلة السوداء القادمة، وهذا للأسف ما لا تلحظه الأطراف المعنية بالتشكيل ولا تأبه له لأنها لا تفكر إلا بمصالحها الخاصة وبما ستدر عليها الوزارات من ثروات ولو على حساب ذهاب البلد.
وهذا يستوجب على القوات اللبنانية، وهي الحريصة على المال العام (باعتراف الخصوم قبل الأصدقاء)، أن تفكر ليس بردة فعل على ما يقوم به السفاء والغوغائيون على طريقة قوم لوط الذين قالوا كما جاء بالقرآن الكريم: "فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" ولسان حال هؤلاء يقول: "أخرجوا القوات من حكومتكم إنهم أناس لا يسرقون"... وهنا تحديداً يكمن موقع القوات وحجمها ودورها ووظيفتها، وليس بحجم الوزارات أو طبيعتها..
وعليه فمن واجب القوات اللبنانية أن تكون حاضرة وموجودة داخل الحكومة، ونحن بدورنا نناشد الحكيم ونتمنى عليه بأن لا يتركهم يعيثون بالمال العام فساداً، أو بالأحرى لا تتركنا يا حكيم بين أنيابهم.