دخل قاتل العرب أراضي العرب دون استنكار ولفه السلطان بعباءة الخيانة واحتضنه كما يحتضن الأب الابن البار ووقفت صفوف السلاطين الكبار و الصغار ترحيباً وتجليلاً وتعظيماً و تخليداً لقاتل تفوح منه روائح الشهداء الفلسطينيين و اللبنانيين والجثث التي سحلتها آلات الموت الاسرائيلية .
دون أيّ مسؤولية عربية وفي ظل غياب أيّ ردّ فعل عادي على زيارة ملك "اسرائيل " لسلطان المملكة العربية أمست العلاقات العربية - الاسرائيلية أمراً طبيعياً لا عيب فيه و لا حرام ولا مخالفة للحاضر و التاريخ بل ممراً آمناً و طبيعياً في ظل غياب العرب دفعة واحدة ولم يعد هناك من يهتم بأمور الأمّة بعد أن تمزقت الى مزق وكل مزق مشغول بأوجاعه وبأزماته و بحروبه اليائسة وباتت الأمّة كالقصعة التي تتناوشها كلاب الغدر .
حتى فحول الممانعة لم نسمع بأصواتهم تعلو استنكاراً للزيارة الآثمة وغابت حركات التحرر والمقاومة وطلاب الذهاب يومياً الى فلسطين على عربات الوعود بفتحها مجدداً كما فتحتها خيول الخليفة زمن المجد العربي لم نسمع أحداً كأن خرساً حلّ بأئمة المساجد وخطباء الجماعة والجمعة والمناسبات الدينية والوطنية والسياسية حتى بائعي الكلام من روّاد الممانعة الكلامية سكتوا السكتة العجيبة عن زيارة أكثر أهمية من قتل الشهيد جمال خاشقجي وأكثر أهمية من سيول الموت الجارف و أكثر أهمية من كل ما نستنزفه في طريق الكره و الحقد المتبادل ما بين جهات الاختلافات الطائفية والمذهبية من رعاة الفتنة الجديدة بين العرب و المسلمين بات حدث مخيم المية والمية مصدر قلق كبير رغم أنه تصفية حسابات وفاكس مرسل من الجهات التي تحرك أدوات المعارك في المخيم الى من يهمه الأمر في الداخل والخارج و للتذكير بقدرة هذه الجهات على فتح ملفات لا نهاية لها في لبنان اذا ما فكر أحد استخدام ما يريد استخدامه لتغيير موازين القوى .
إقرأ أيضًا: ابن الرواندي وآكل الفول في بغداد
مرّ نتنياهو والوفد المرافق له بعد أن أتمّ صفقات متعددة المصالح مع السلطان والسلطنة مرور الكرام لم تخرج مسيرات منددة لا في المخيمات الفلسطينية المشغولة بصراعات فصائلها على جُبنة نتنة ولا في المخيمات الأخرى ممن اعتادوا على الخروج و التظاهر في المواضيع و العناوين القومية و العروبية والاسلامية ولم تعد وأمتاه وعروبتاه و اسلاماه شعارات مرفوعة لاستنهاض الشعوب ضدّ العدو بل باتت شعارات تستتهلك في ظروف معينة ومن ثم تُضب في المستودعات لأن هناك حميات أخرى أكثر حساسية وحماسة من قبيل ومذهباه و طائفتاه ولها زبائن منتشرين كالجراد لأكل يباس الأمّة بعد أن أكلوا أخضرها .
بات مرحباً بنتياهو و بأي عدو ومجرم وقاتل طالما أن السكوت هو سيد المشهد وسيد العواصم العربية والأعجمية وطالما أن المواقف تقاس بالمصالح لا بالمبادىء وهذا ما دفع الى أن تبلع الممانعة ألسنتها الطويلة طالما أن العدو قد زار سلطاناً حليفاً وربما يكون أكثر من ذلك شريكاً في حسابات سياسية يصرف شيكاتها الشركاء في ساحات معينة لا ندري نحن المأخوذين بدين الحلال و الحرام فن هذا الفن من اللعب السياسي الذي يجيز التعامل و التعاون مع العدو خدمة لأسباب نجهلها نحن غير المتذوقين لفن السياسة .
لم يبك البكاؤون على حائط القدس ولا قام القائمون لأجل فلسطين ولا تحرك أحد من باعة النصر اليومي على عربات الموت واكتفوا جميعاً بما افتعلوه وبما افتعلته الطبيعة من سيول للبشر و الحجر وتركوا نتنياهو فريسة للسلطان الذي خبرته الحياة وخبرته الخيانة جيداً وهو يعرف كيف يكرم الضيف وان كان عدواً بملعقة من ذهب حتى لا يُقال أن العرب خسروا أيضاً صفاتهم في الجود و الكرم وهذا التكريم وهذا التفخيم جعل من نتنياهو سلطاناً أو ملكاً عربياً وهذا السكوت وهذا الصمت جعل من الممانعة ممانعة عبرية لذا نحن أمام أولى المراحل الجديدة لنتائج حروب العراق وسورية و اليمن .