يبدو ان رئيس المركزي الاوروبي ماريو دراغي حاول لفت الانتباه الى ايطاليا دون ذكرها مباشرة عندما قال يوم الخميس الفائت «ان هذه الاعمال من الدول الاعضاء سيكون مكلفا للجميع في منطقه العملة الموحدة».
مع العلم ان الاضطرابات السياسية التي حدثت مؤخرا في ايطاليا اعادت الضوء إلى التحديات التي تواجه البلاد. ورغم بوادر تحسّن في الحالة الاقتصادية والاجتماعية العالمية، وزيادة في الطلب المحلي، هناك عوامل عدة تؤثر بشكل كبير على مستقبل ايطاليا سيما عدم اليقين في منطقة اليورو، والانخفاض في النمو الدوري عالميا.
هذا الاضطراب السياسي اثار مخاوف قد يكون اقلها الانسحاب من الاتحاد الاوروبي واستبدال اليورو بعملة موازية، وهذا امر مقلق للغاية سيما وان ايطاليا تعتبر ثالث اقتصاد في منطقة اليورو.
وقد يكون من المستبعد حدوث هذين الأمرين انما احتمال وقوعهما اثار حالة من عدم اليقين في الاسواق المالية وانخفض اليورو الى أدنى مستوى له امام الدولار الاميركي هذا العام. ومن المهم القول انه وحتى قبل الاحداث الاخيرة في ايطاليا تواجه الاسواق المالية العالمية رياح
المؤشرات الاقتصادية العالمية
• الشعور بعدم اليقين السياسي وهذه مسألة يمكن ان تستمر علي نطاق عالمي لبعض الوقت مع تزايد الشعبوية في اوروبا والمناهضة للعولمة وحالة الـBrexit وما الى ذلك.
• اليورو والذي هو اقل شعبية في ايطاليا مما كان عليه قبل بضع سنوات وهذا الامر اقلق السياسيين في كافة انحاء الاتحاد الاوروبي.
يشعر المستثمرون بالحذر فعلا حيال وضعية الحكومة الايطالية ومستوى الديون، علما ان البنك المركزي الاوروبي سوف يبدأ بسحب عمليه التسيير الكمي وما يتبع ذلك من ارتفاع في اسعار الفوائد الامر الذي يجعل من الديون الايطالية مسألة حساسة للغاية ولها آثار عالمية كون ايطاليا ثالث أكبر مقترض في العالم.
من ناحية اخرى واصلت وكالات تقدير درجة الجدارة الائتمانية عملها بما في ذلك S&P وموديز تصنيف ديون ايطاليا والتي شهدت تراجعا الاسبوع الفائت وضعوها الى مستوى واحد فقط اعلى من الـ Junk في رد فعل على قرار الحكومة الايطالية بقبول العجز في الميزانية للسنوات القليلة المقبلة.
واشارت موديز الى ان بقاء العجز على هذا المستوى في ايطاليا سوف يبقي مستوى الدين فيها على ١٣٠ بالمائة من الاقتصاد عموما. علما ان الحكومة الشعبية تريد زيادة النفقات في محاولة لإنعاش الاقتصاد الهامد رغم قواعد الاتحاد الاوروبي والذي يتطلب من جميع الاعضاء خفض العجز في الميزانية.
ويرى المستثمرون في ذلك تحدٍ من قبل الحكومة الإيطالية الجديدة والتي قد يؤدي الى امكانية الخروج من الاتحاد الاوروبي. ولا بد هنا من الاشارة الى ان الحرب الكلامية بين روما والقادة الاوروبيين في بروكسل وفرانكفورت زاد في الاسابيع الاخيرة مما دفع لبيع سندات العشر سنوات الايطالية ومردود هذه السندات والتي تتحرك في الاتجاه المعاكس من سعرها زاد أكثر من الضعف منذ ايار ليصل الى 3.5 بالمائة. وتغذّي سياسة حافة الهاوية بين ايطاليا وباقي دول اوروبا المخاوف من ان تواجه منطقة اليورو ازمة ديون اخرى على غرار ما حدث عندما لم تعد تستطع اليونان بيع سنداتها للمستثمرين، وجاء صندوق النقد الدولي لإعانتها.
بيد ان الاقتصاد الايطالي يشكل 15 بالمائة من اجمالي اقتصاد منطقة اليورو مقابل 2 بالمائة لليونان، كذلك فان اي خلل في ايطاليا، أحد أكثر الدول مديونية في العالم، يمكن ان يهزّ ليس اوروبا وحدها انما قد ينتشر ليطال الاسواق العالمية. وحسب جوليان بريدج، أحد المحللين في كولورادو، «لدى ايطاليا القدرة على تغيير اتجاه الاسواق العالمية». والامر المطمئن الوحيد على ما يبدو هو ما اشارت له «موديز» في تصنيفها بأن الاقتصاد الايطالي متنوع وله مزايا عديدة. كذلك لدى ايطاليا فائض مع العديد من البلدان، ولهذه الاسباب يبدو ان المستقبل القريب ودائما حسب موديز مستقرا، والصورة تبدو غير واضحة كليا.
ورغم التفاوت في وجهات النظر، الا انه لا بد من الاشارة الى ان الاسواق الاوروبية ترزح تحت الضغط بسبب مخاوف من تباطؤ النمو ومخاوف على سلامة أكبر المصارف في المنطقة، وخاصة في ايطاليا، علما ان المصارف الإيطالية هي اكبر مالكي السندات الإيطالية. لذلك كلما تعرضت هذه السندات للخسائر، تتردّى احوال المصارف الكبرى في ايطاليا. جدير بالذكر ان أسهم Uni Credit وهو أكبر بنك في ايطاليا قد انخفضت بنسبه 26 في المائة هذا العام.
ولا يعوز المشهد العالمي الآن ازمة ديون اوروبية قد يتردد صداها في جميع انحاء العالم وفي ظل عدم الموثوقية بإمدادات النفط وحرب تجارية بدأت بين الولايات المتحدة والصين، واخر ما تريده الاسواق الان هو هذه الذبذبات التي تهدد استقرار الاقتصاد العالمي. كذلك من الصعب التكهّن أنه، وفي حال عدم سداد الديون الايطالية، لن يؤدي ذلك الى أزمة مصرفية وهذا الامر إذا ما حصل لا بدّ ان يتردّد صداه في السوق الاقتصادي والمالي العالمي.
لذلك تبدو اوروبا اليوم كما في السابق مع اليونان امام ازمة حكم مع حكومة شعبوية تريد السير بامور معاكسة لشروط الاتحاد ومع حساسية الوضع لاسيما وان العام 2019 سوف يشهد انهاء عمليا لعملية التسيير، الامر الذي يعني بدء ارتفاع اسعار الفوائد الأوروبية ويجعل من الدين عبئا كبيرا لحامليه لا سيما ايطاليا.
لذلك الصورة غير واضحة والمصارف الاوروبية لا تزال تحت ضغوط مالية سيما الايطالية منها الامر الذي يعني مستقبلا عدم الاستقرار المالي والنقدي في اوروبا والذي سوف ينعكس صداه حتما في الاسواق العالمية.