يبدو أنّ الوضع المسيحي ذاهب إلى مزيد من التأزّم بين الأطراف الأساسيّة فيه: "التيار الوطني الحر" و"القوّات اللبنانية" و"تيّار المردة"، سواء تشكلت الحكومة من هذه الأطراف الثلاثة أم اعتذر أحدها عن المشاركة، فيما القوّة المسيحيّة الرابعة "حزب الكتائب" تغرّد في سماء أخرى وفي شأن مواضيع مختلفة. ويبقى الأسوأ في الموضوع، أنّه إذا تشكّلت الحكومة من جميع الأطراف كما يرغب رئيسا الجمهوريّة ميشال عون والحكومة المكلّف سعد الحريري، وبقي هذا الخلاف مستفحلاً، فساعتها لن تشهد الحكومة ما يترقّبه رئيسها ولا رئيس الجمهوريّة من استنهاض حقيقي للوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي.
وجاءت المشادة الكلامية على الهواء أمس الأوّل بين الوزير (القوّاتي) ملحم رياشي وعضو تكتّل "لبنان القوي" النيابي النائب الياس بوصعب، والكلام المنسوب إلى النائب في "التيّار الوطني الحر" ألان عون في إحدى الصحف الخليجيّة أمس، "بالبحث عن شريك مسيحي آخر إذا اختارت "القوّات" عدم المشاركة في الحكومة، وتحميلها مسؤولية تعطيل التشكيل"، لتعطي مؤشّراً واضحاً على أنّ الخلافات ليست إجرائيّة وشكليّة حول حصة أو حقيبة وزاريّة، بل هي برأي بعض المتابعين المسيحيّين للوضع المسيحي أعمق بحيث تتركّز كما أيّ مباراة لكرة القدم، على من يُمسِك الملعب ويستحوِذ أكثر على الطابة، والملعب هنا هو الشارع المسيحي والطابة هي الجمهور المسيحي.
وتبدو المعضلة أكبر أمام الرئيس الحريري في كيفيّة تحقيق مصالحة أو تفاهم حقيقيّين بين القوى المسيحيّة المختلفة من الآن على رئاسة الجمهوريّة وعلى أمور إجرائيّة وسياسيّة تتعلّق بكيفيّة إدارة البلد، وهو المعني أوّلاً وأخيراً بضمان انتظام عمل مجلس الوزراء وحُسْن إنتاجيّته وتحقيق ما يريح المواطن ويخفّف عنه أعباءه، عدا عن العبء الذي سيُلقى أيضاً على رئيس الجمهوريّة في هذا المجال طالما أنّه يعتبر نفسه من حيث المبدأ على مسافة واحدة من جميع الأطراف سواء داخل الحكومة أو خارجها، كما أنّ عهده على محك النجاح أو الفشل وفقاً لما سيكون عليه الوضع السياسي العام.
وبرأي مصادر في كتلة "المستقبل" النيابيّة أنّ الرئيس الحريري حريص على مشاركة كل الأطراف المسيحيّة في الحكومة وهو يسعى لتقريب مسافات التفاهم بينها، ولعله يعمل بعد تشكيل الحكومة مباشرة على محاولة رأب الصدع السياسي بين الأطراف المسيحيّة حتى لا تتأثر حكومته بالجو المشحون ويعود التعطيل والشلل إلى العمل الحكومي في حال حصل خلاف على أيّ مشروع أو قرار.
وتشير المصادر إلى أنّ الرئيس المكلّف يملك من التأثير المعنوي والسياسي على أطراف الخلاف المسيحي الثلاثة ما يمكّنه من إيجاد تفاهمات ولو بالحد الأدنى تجعل من الحياة الحكوميّة قابلة للاستمرار.