حراك الساعات الماضية كان مكثفاً؛ المقرّات الرئاسية بَدت مستنفرة بكل طاقاتها، والسقف الذي تتحرّك تحته المشاورات المعلنة أو تلك التي تجري داخل الغرف، له عنوان وحيد هو حسم الاستحقاق الحكومي قبل دخول الذكرى الثانية لانتخاب الرئيس ميشال عون. ولم يعد هناك ما يبرّر التأخير والغرق في المراوحة وتضييع المزيد من الوقت، خصوصاً انّ التحديات والاستحقاقات الداهمة تطرق الباب اللبناني من كل الاتجاهات.
عون: 48 ساعة
واذا كانت أجواء القصر الجمهوري تتحدث عن منسوب عال من التفاؤل بقرب تَسلّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تشكيلة الحكومة الجديدة من الرئيس المكلف سعد الحريري خلال الساعات المقبلة، وهو أمر لمسه زوّار رئيس الجمهورية أمس، وتحديداً الوفد الالماني التي زاره أمس وتيقّنَ من أنّ لديه أجواء تفاؤلية مشجّعة بأنّ الحكومة ستولد خلال 48 ساعة.
الّا أنها في الوقت نفسه تترقّب بحذر نتائج الجهود التي يبذلها الرئيس المكلف لتذليل ما تبقّى من عقد في آخر الطريق. وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنّ نقاش الساعات الاخيرة دار حول نقاط التعقيد الاساسية، وفي مقدمها نوعية تمثيل «القوات اللبنانية»، وسط تأكيد رئاسي بحسم حقيبة العدل من حصة رئيس الجمهورية، وعدم القبول بإسناد 4 حقائب لـ«القوات»، والاصرار على 3 حقائب الى جانب نائب رئيس الحكومة وبلا حقيبة. وبالتالي، لم يدخل هذا النقاش الى مدار الحلحلة، بحيث لم يعثر بعد على حقيبة موازية للعدل تقبل بها «القوات».
مقايضة
وتفيد المعلومات بأنّ محاولات صعبة يقوم بها الرئيس المكلف لتدوير زوايا هذه العقدة، عبر اعتماد صيغة المقابلة وتبادل حقائب بين بعض القوى السياسية، وهو أمر بَدا في غاية الصعوبة خصوصاً انّ الحقائب الاساسية، والتي تعتبر مهمة، باتت محسومة للعديد من القوى، وبالتالي هي متمسّكة بها، فلا «التيار الوطني الحر» في وارد التنازل عن اي حقيبة جرى تثبيتها له، وتحديداً وزارة الطاقة التي لم تخف «القوات اللبنانية» انّ عينها عليها، وكذلك الامر بالنسبة الى الثنائي الشيعي الذي لم تسند له سوى حقيبتين أساسيتين هما المال والصحة، وكان صَلباً في رفض انتزاع حقيبة الصحة منه، على رغم كل ما قيل عن تحفظات دولية، وتحديداً أميركية، على جعل حقيبة الصحة من حصة «حزب الله». أما سائر حقائب الثنائي فهي أقرب الى الحقائب الثانوية، ومع ذلك رَضي بها من باب تسريع التأليف.
وفي هذا السياق، فشلت فكرة أن يتخلى «الحزب التقدمي الاشتراكي» عن حقيبة التربية مقابل حصوله على حقيبة أخرى، تردّد أنها العمل، والرفض المتجدّد لهذا الأمر أعلنه الوزير السابق غازي العريضي من عين التينة، بقوله: لا إمكانية للتخلّي عن وزارة التربية، بحيث لو حصل ذلك لا يبقى شيء للطائفة الدرزية. وزارة التربية ثابتة، ووليد جنبلاط قدّم كل التسهيلات». والفشل نفسه تَبدّى في محاولة انتزاع حقيبة الاشغال من تيار «المردة»، مع إصرار التيار عليها، مدعوماً من قبل الحلفاء وتحديداً «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما الحديث داخل مطبخ التأليف يدور حول مخرج ما زال قيد الدرس، ويقوم على مقايضة قد يبادر إليها الرئيس المكلف لواحدة من الحقائب المسندة الى تيار «المستقبل» لصالح «القوات» تعتبر بديلة لحقيبة العدل أو موازية لها.
سنّة «8 آذار»
وعلى الرغم من جو التفاؤل المتزايد، لم تبرز بالأمس أي إشارة حول تذليل عقدة تمثيل سنّة 8 آذار، وبحسب مصادر واسعة الاطلاع انّ الامور لم تحسم بعد في هذا الجانب، مشيرة الى انّ الرئيس المكلف يرفض هذا الامر جملة وتفصيلاً ولا يقبل ابداً بتوزير أحدهم على حساب تيار «المستقبل». كما انه في الوقت ذاته لم يبرز عن رئيس الجمهورية ما يوحي أنه قبل بتوزير أحد «النواب السنّة المستقلين» من ضمن الحصة الرئاسية. وقالت مصادر هؤلاء النواب لـ»الجمهورية» إنهم لم يتلقّوا اي تأكيد حول إشراكهم في الحكومة حتى الآن.
الحريري: لن أنتظر
والواضح في حركة الاتصالات أمس، هو زحمة اللقاءات التي اجراها الرئيس المكلف، الذي أبلغ زواره انّ تشكيلة الحكومة الجديدة باتت في مرحلة وضع اللمسات الاخيرة عليها، وولادتها باتت وشيكة جداً. وهذه الصورة وقف عليها النائب وائل ابو فاعور موفداً رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وكذلك لمسَ هذه الاجواء وزير المال علي حسن خليل، الذي زار الحريري موفداً من بري. فيما كانت حصة «القوات» مدار بحث متجدد مساء أمس في لقاء عقده الحريري مع وزير الاعلام ملحم الرياشي.
وقالت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات لـ«الجمهورية»: كل الامكانيات المتوافرة تم استطلاعها من قبل الرئيس المكلف مع الاطراف المعنية، وخصوصاً «القوات اللبنانية»، والتشكيلة تنتظر الافراج عن الأسماء في الساعات المقبلة. البحث حالياً مُنصَبّ على تحديد سلة «القوات» على أساس ٣ حقائب ونائب رئيس الحكومة. والابرز في هذه الحركة انّ الرئيس المكلف أبلغ كل المعنيين بأنه آن أوان تشكيل الحكومة، ولن يدخل في مزيد من التأخير، ولن ينتظر اكثر من ذلك وسيتقدّم بتشكيلته لرئيس الجمهورية في الساعات المقبلة.
بري: الأحد
وما لفتَ في الساعات الماضية، انّ منسوب التفاؤل سجّل ارتفاعاً ملحوظاً في عين التينة خلافاً للفترات السابقة، حيث عكس الرئيس بري أجواء مشجعة. وقال أمام زواره: الامور تتقدم بشكل جدي، ويمكن القول انّ الاجواء اليوم اكثر تفاؤلاً واكثر ايجابية. واذا ما استمر الامر على هذا المنحى، فإنّ الحكومة قد تولد يوم الاحد بحسب ما تَكَوّن لدينا من معلومات ومعطيات خلال الساعات الماضية، وتبعاً لنتائج الاتصالات التي تجري على غير صعيد.
ورداً على سؤال، قال بري: خلال تشكيل الحكومات السابقة سبق لي ان قدّمت تضحيات في سبيل التعجيل بتأليفها، وفي الحكومة التي يجري تشكيلها قدّمتُ ايضاً تضحية من اجل التسريع وذلك بمبادرتنا الى القبول بـ3 وزراء لكتلة التنمية والتحرير، علماً انّ حركة «أمل» لديها كتلة من 17 وزيراً، واذا ما اعتمدنا المعيار التي يعتمد مع بعض القوى السياسية، فالحركة يجب ان تحصل على 5 وزراء وليس 3 وزراء، من البداية قبلنا بـ3 وزراء من باب التعجيل في تشكيل الحكومة، ولكن مع الأسف تأخر التأليف 5 أشهر.
ولفتَ بري الانتباه الى انّ البلد بعد تأليف الحكومة يفترض ان يدخل في ورشة عمل واسعة وجدية، إن على الصعيد الحكومي والشروع الى مواجهة التحديات والضرورات، وفي مقدمها ايجاد المعالجات الاقتصادية، او على صعيد المجلس النيابي الذي سيواكب الحكومة في هذه المهمة.
وأشار الى انّ العمل المجلسي بعد تأليف الحكومة، سينصَبّ بداية في اتجاه التحضير لجلسة المناقشة العامة للبيان الوزاري ومنح الحكومة الثقة، علماً أن لا مشكلة ابداً في البيان الوزاري الذي سيكون مبنيّاً على أساس البيان الوزاري لحكومة تصريف الاعمال الحالية. وبالتالي، اذا ما تشكّلت الحكومة كما هو متوقع، وجرى الاسراع في البيان الوزاري، فإنّ جلسة الثقة ستعقد بعد ايام قليلة، على أن تليها فوراً جلسة تشريعية. وقد بادرتُ منذ الآن الى توزيع جدول اعمالها على النواب، اما اذا تأخروا في تأليف الحكومة، فسابادر فوراً الى الدعوة الى جلسة تشريعية في ظل حكومة تصريف الاعمال.
مصادر «التيار»
الى ذلك، دعت مصادر «التيار الوطني الحر»، عبر «الجمهورية»، الى التعاون مع الرئيس المكلف للإفراج عن الحكومة، مؤكدة انّ «التيار» قدّم كل التسهيلات الممكنة وقام بما هو مطلوب منه»، داعية الاطراف التي لم تحسم أمرها بعد، الى أن تُنهي هذا المسار، حيث انّ البلاد بحاجة لاستقرار في مؤسسات الدولة يتيح لنا مقاربة الملفات والتحديات الداهمة من دون مزيد من التأخير».
مصادر القوات لـ«الجمهورية»
في هذا الوقت، قالت مصادر القوات اللبنانية لـ«الجمهورية»: لا نزال لغاية اللحظة في انتظار نتائج الاتصالات المكثفة التي يجريها الرئيس المكلف، في محاولة لهندسة الحكومة على نحو ينال فيه كل مكوّن وزاري حقّه.
واعتبرت «انّ كل محاولات الضغط التي يمارسها البعض إعلامياً، من خلال وضع أفكار ورَمي أخبار معينة للتأثير على مسار التأليف، لن تتحقق. وهي محاولات قديمة - جديدة باءَ فَشلها، وإذا كانت هناك فرصة للخروج من أزمة التأليف فهذه الفرصة متاحة في كل لحظة، وهي متاحة اليوم أكثر من اي وقت مضى شرط ان لا تكون هذه الفرصة مناورة.
وقالت المصادر: انّ المطلوب هو الكَف عن المناورات والذهاب باتجاه تأليف حكومة تجسّد الشراكة والتمثيل الصحيح والمتوازن، وتكون حكومة شراكة وطنية إسماً على مسمّى، وشراكة فعلية، لا أن يكون الهدف منها إحراج بعض القوى لإخراجها. لذلك، نحن بانتظار مساعي الرئيس الحريري، وعندما ينتهي منها سيضعنا في الصورة. فنحن على تشاور معه، والتواصل بيننا قائم. لكن لغاية اللحظة لا يمكن الحديث عن خرق في هذا المكان، ومن يتحمّل مسؤولية التعطيل ليس «القوات» بل الطرف الذي يريد تشكيل الحكومة بشروطه، وهو يتهم كل من لا يسير بهذه الشروط بأنه يعرقل، فيما القاعدة هي ليس وضع شروط من قبل فريق، بل تأليف حكومة وفق المعايير الوطنية والتمثيلية النيابية الي يضعها الرئيس المكلف.
ولفتت الى «انّ الكلام عن تنازلات قدّمها الفريق الآخر ليس في محله، فـ«القوات» لا تنتظر هدايا أو تنازلات من أحد، المطلوب طبعاً تسهيلات من أجل المصلحة الوطنية، وليس المطلوب وضع سقوف عالية وغير واقعية ولا تَمتّ الى الحقيقة بصِلة، ومن ثم القول إننا تنازلنا. المطلوب تشكيل حكومة متوازنة، والرئيس المكلف أبلغنا رسمياً انه لن يشكّل أي حكومة غير متوازنة ولا تتوافر فيها عناصر الشراكة الوطنية والتوازن الوطني.
«المية ومية»
من جهة ثانية، يثير التوتير المتجدد في مخيم المية ومية، بين بعض المنظمات الفلسطينية، الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول الغاية من افتعاله وتوقيته في هذه اللحظة!!
والبارز حول هذا الأمر، هو الاتصال الذي تلقّاه رئيس الجمهورية، أمس، من المسؤول في حركة حماس إسماعيل هنية، حيث جرى البحث في الأوضاع داخل مخيم المية ومية، وسبل معالجة الاشتباكات، والحفاظ على استقرار المخيمات. وتمّ الاتفاق على «أنّ ما يجري في المخيم يجب أن يتوقّف بأسرع وقت، وهو لا يخدم القضية الفلسطينية». فيما دخل «حزب الله» على خط التهدئة، عبر لقاءات مع وفدَي حركتي «فتح» و«أنصار الله»، تمّ خلالها الاتفاق على وقف إطلاق النار الّا انّ الوضع على الارض ظل على توتره، وتتخلله اشتباكات متقطعة في المخيم.
وهذا الوضع حرّك اتصالات في غير اتجاه لبناني او فلسطيني، خصوصاً أنّ استمراره وتفاقمه ينذر بمخاطر ومضاعفات ليس على المخيم فحسب بل على جواره، مع إبداء بعض المراجع السياسية خشيتها من وجود يد خفية تحاول العبث بالساحة اللبنانية، ومن احتمال تَمدّد شرارة الاشتباك الى مخيمات أخرى، وهو أمر أكدت مصادر أمنية لبنانية على مواجهته ومَنع تمدده، مُذكّرة بقرار الجيش بأنه لن يألو جهداً في اتخاذ الاجراءات الرادعة لضبط الاوضاع الامنية، حتى ولَو بالقوة.