"كلّو مأخّر" إلى حين زفّ خبر ولادة حكومة يُؤمل أن تأتي بخطةٍ ما، تحدّ من الانحدار المتواصل بعد عُقمٍ ظهر منذ ما قبل 5 أشهر، سواءٌ على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي... وعلى البُنى التحتية التي كشفت تردّيها البارحة "نقطين شتي"، وكذلك على صعيد العدد الكبير للنازحين السوريين الذين يعانون بدورهم من تردّي الأوضاع وفي الوقت نفسه تزداد أعباءُ وجودهم في لبنان، على المدارس والكهرباء والصرف الصحي والنفايات والطرق والبطالة... في ظلّ انكماشٍ اقتصاديٍّ متفاقم.
في متاهات التأليف، ضاعت عودةُ النازحين ومبادراتها على المستوى الرسمي. "الأمن العام" و"حزب الله" يواصلان العمل على هذا الخط. وفي هذا الإطار، سلمّ، أمس، مسؤولُ ملف النازحين في "حزب الله" النائب السابق نوار الساحلي المديرَ العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لائحة أسماء جديدة من النازحين السوريين الراغبين بالعودة طوعاً الى بلادهم.
بالاتّفاق بين "حزب الله" والأمن العام، لا يتمّ كشفُ عدد الأسماء التي يقدّمها "الحزب" للنظام السوري، فقد ينخفض عددُها، لأنّ الحكومة السورية قد لا توافق عليها جميعاً. وعلمت "الجمهورية" أنّ اللائحة التي تَسلّمها ابراهيم البارحة بعد التدقيق السوري ضمّت أسماءَ نحو 1000 نازح يسكنون مختلف المناطق اللبنانية وينتمون إلى مختلف المناطق السورية. ويعود السوريون الذين وافق النظامُ على أسمائهم المُرسَلة من "الحزب" ضمن الدفعات التي ينظمها الأمنُ العام من حين الى آخر، وعودتهم ليست منفصلة عن بقية العائدين طوعاً. وحسب المعلومات لا تضمّ كلّ دفعة من العائدين التي يُؤمّنها الأمن العام، أسماء من اللوائح التي سلّمها "حزب الله"، ودفعة الأمس خلت من العائدين عبر "الحزب".
وقد أمّنت المديرية العامة للأمن العام أمس وبالتنسيق مع مفوّضية شؤون اللاجئين UNHCR وحضور مندوبيها، العودة الطوعية لـ 829 نازحاً سورياً من مناطق مختلفة في لبنان إلى الأراضي السورية عبر مركزي المصنع والعبودية الحدوديّين. وانطلق النازحون في حافلات أمّنتها السلطات السورية من نقاط تجمُّع محددة.
منذ نحو ثلاثة أشهر بدأ عملُ "حزب الله" الفعلي على خطّ عودة النازحين، وفي غضون هذه الأشهر ساهم في عودة نحو 3 آلاف نازح. ومع كل دفعة تزداد أعدادُ الراغبين بالعودة الطوعية المستمرة في الوتيرة نفسها على رغم توقُّع انخفاضها مع بدء السنة الدراسية، فمَن سجَّل أولادَه في المدارس اللبنانية باقٍ في لبنان هذه السنة.
أعدادُ العائدين "مهما كانت" تُعتبر ضئيلة قياساً على العدد الإجمالي للنازحين المنتشرين في كل المناطق اللبنانية، والذي يُناهز المليونين، إلّا أنّ ما يقوم به "حزب الله" بالنسبة الى مؤيّدين له أو معارضين "أفضل من لا شيء". فالحكومة تُصرِّف الأعمال وغائبة عن القرارات والأفعال، والمبادرة الروسية لم تُترجَم على الأرض حتى اللحظة.
"حزب الله" مستمرّ في عمله على إعادة النازحين إلى أن "تأتي الحكومة وتقوم بواجبها". لكنّ الفارق أنّ الحكومة العتيدة حين تتسلّم هذا الملف، ستصعِّد وتيرة العودة، بعد أن تُشغِّلَ الدولة وزاراتها وأجهزتها ومؤسساتها، فوزارة الشؤون الاجتماعية، على سبيل المثال، يُمكنها فتحُ مكاتب أكبر من مكاتب "الحزب" وفي كل المناطق، ويُمكنها زيارة المخيمات ميدانياً وإعداد اللوائح... إلى هنا لا خلاف بين المُكوّنات السياسية اللبنانية المُتوقع أن تتكوّن منها الحكومة المقبلة. ولكنّ الخلاف يكمن في المُحوِّل الأكبر لملف النازحين: التنسيق مع الحكومة السورية وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه على الحدود قبل الأزمة السورية المُندلعة منذ 2011.
"حزب الله" يصرّ على أنّ التنسيق هو الحلّ الشافي لعودة النازحين بوتيرة أسرع وأعداد أكبر، فـ"حينها قد يعود 10 آلاف نازح في اليوم". ويشدّد على أنه يستغلّ علاقته مع سوريا لمصلحة لبنان للتخفيف من أعباء النازحين، وليس العكس.
يُؤيدّ رئيسُ الجمهورية العماد ميشال عون و"التيار الوطني الحر" وحركة "أمل"، "حزبَ الله" في هذا الرأي، فيما يرفضه تيار "المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية" اللذان يعتبران أنّ التنسيق في موضوع النازحين يؤدّي إلى التطبيع مع نظام بشار الأسد "المرفوض تماماً".
لكن إذا تسلّمت الدولة هذا الملف تتحقق نتائج تفوق نتائج عمل جهة بمفردها، وإن اقتصر التنسيق بين لبنان وسوريا على الأمن العام، مثلما يحصل راهناً ومنذ فترة. كذلك، فإنّ تأليفَ حكومة كاملة الأوصاف والصلاحيات تتصدّى لهذا الملف من شأنه أن يُعزّزَ الثقة الدولية بلبنان ويعيد تفعيلَ المبادرات المُجمّدة أو خلق مبادرات جديدة.