تتركز الاهتمامات اليوم على لقاء ينتظر انعقاده بين الرئيس المكلف سعد الحريري والوزير جبران باسيل، الذي سيعود من وارسو اليوم، ويكون توطئة لزيارة الحريري قصر بعبدا خلال الساعات الـ48 المقبلة.

وكان اللافت انّ باسيل قال أمام الجالية اللبنانية في بولونيا، عشيّة عودته "انّ حكومتنا ستؤلف قريباً جداً، وإن شاء الله قبل الذكرى السنوية الثانية لانتخاب الرئيس ميشال عون".

ولكن على رغم الحذر في تحديد مواعيد جديدة لولادة الحكومة، فإنّ أوساطاً متابعة نقلت عن الحريري، العائد من السعودية، إصراره على تقديم تشكيلته الوزارية خلال يومين، وإبلاغه المعنيين انه سيكون للبنان حكومة قبل نهاية الشهر الجاري. ولعلّ ما يعزّز هذا الأمر هو عدم تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعداً لجلسة تشريعية ريثما تؤلّف حكومة جديدة.

وقال بري أمام زوّاره: "هناك تفاؤل لدى الرئيس المكلف، ولكن تبقى الأمور مرهونة بخواتيمها، ونأمل أن تكون إيجابية".
وعن الوضع الاقتصادي قال: "قلتُ وما زلت عند قولي، انّ الوضع الاقتصادي خطير والعلاج ممكن إذا تشكّلت الحكومة، ولا يستغرق هذا العلاج اكثر من اسابيع وليس أشهراً".

تحرّك للحريري
على انّ مصادر مطّلعة قالت "انّ الموقف المرتبط بتأليف الحكومة لا يزال على حاله، في انتظار تحرّك مطلوب من الحريري لحسم مسألة تمثيل "القوات" بعدما ثبتت الحصة بـ3 حقائب مُضافاً اليها نائب رئيس الحكومة، ولكنّ الخلاف هو على نوعية الحقائب، وإن كان من ضمنها حقيبة أساسية".
ومع توقّع حصول اتصال بين عون والحريري للتداول بنتائج زيارة الاخير للسعودية والخطوات الحكومية المرتقبة، فإنّ ما يمكن تسجيله هو الآتي:
- عون أعطى "القوات" موقع نائب رئيس الحكومة.
ـ "التيار الوطني الحر" وافق على رفع عدد وزراء "القوات" من 3 الى 4.
ولم يبقَ سوى حقيبة "التربية" كحقيبة أساسية تطالب بها "القوات"، وأمر التنازل عنها يعود الى "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي أكدت مصادره لـ"الجمهورية" أنّ خط التنازل عنده قد توقّف.
وكشفت هذه المصادر عن عرض رسمي قدّمه الحريري لـ"القوات" وينتظر جواباً عليه، وسط إصرار عون والحريري و"التيار الحر" على مشاركتها في الحكومة.
وفيما دعت مصادر مطّلعة الى رصد مواقف الحريري في الساعات الـ24 المقبلة، تحدثت أوساط بعبدا عن أجواء ايجابية، مؤكدة انّها تنتظر زيارة الحريري في الساعات المقبلة وغداً كحدّ أقصى. وقالت لـ"الجمهورية" انّ الحريري سيحمل معه مشروع تشكيلة حكومية جديدة تراعي الملاحظات الأخيرة التي رسَت عليها التفاهمات، وذلّلت معظم العقد ما عدا تلك المتصلة بحصة "القوات"، وتحديداً الحقيبة البديلة لوزارة العدل، والتي لم يعد منها سوى حقيبة "العمل" لتضمّ الى حصة وزارية ثلاثية أخرى تجمع الى نيابة رئاسة الحكومة وزارتَي الشؤون الإجتماعية والثقافة.

محاولة أخيرة
تزامناً، كشفت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية" انّ الحريري أجرى امس محاولة أخيرة لتعديل في توزيع الحقائب ما بين 3 أو 4، من بينها "التربية" و"الأشغال". ولهذا الهدف التقى الوزير يوسف فنيانوس. وعُلم انّ اللقاء انتهى بتَمسّك المردة بحقيبة "الأشغال".

المفاوضات في نهاياتها
وفي ظل هذه التطورات الايجابية التي استدعَت عودة باسيل سريعاً من وارسو، عُلم انّ بري طلب من معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل تأجيل زيارة خارجية كان ينوي القيام بها، وذلك في إشارة توحي الى تطورات إيجابية تبعث على التفاؤل بولادة حكومية وشيكة.
وقال مصدر وزاري "انّ تأليف الحكومة بات أمراً واقعاً في غضون ايام قليلة، وربما اليوم". وأكد انه "لا توجد عوائق تحول دون التأليف بعدما وصلت المفاوضات الى نهاياتها، خصوصاً اننا في الاسبوع الماضي انتقلنا الى البحث في مضمون البيان الوزاري".
وعُلم انّ خليل، الذي التقى الحريري أمس، لمس انّ أجواءه ايجابية ومشجّعة، فيما نقل بعض زوّار "بيت الوسط" عن الحريري تَوقعّه ان تولد حكومته اليوم او غداً.

لا تنازل إضافياً
وفيما لم يسجّل أي تقدّم أمس على مستوى حلحلة العقدة المسيحية في الحكومة، بَدا "التيار الوطني الحر" متشبثاً برفض ما يعتبره تنازلاً إضافياً عن جملة "تنازلات"، تقول أوساطه لـ"الجمهورية"، انّ "القوات" جَرّته إليها. أولى هذه التنازلات القبول بدخول "القوات" الى الحكومة بـ4 وزراء وليس 3، وهو حجمها الحقيقي داخل الحكومة المقبلة. والتنازل الثاني "تَخلّي" باسيل عن موقع نائب رئيس الحكومة الذي جَيّره إليه رئيس الجمهورية، عبر قبول تعيين وزير "قوّاتي" في هذا الموقع الذي باتَ حقاً مُكتسباً لرئيس الجمهورية، وله وحده الحق بالتنازل عنه لأيّ طرف.
وتضيف أوساط "التيار" أنه "بعدما قرّر الرئيس سعد الحريري التنازل عن حقيبة "العمل" الى "القوات"، لم يَعد "عدلاً" أن تطالب بحقيبة "العدل" أو بحقيبة موازية كحقيبة "التربية"، إلّا إذا قرّر جنبلاط التنازل عنها. وبالتالي، فإنّ "القوات" يجب أن تتواضع بعدم المطالبة بمزيد من الحقائب الأساسية، مع العلم أنّ موقفنا منذ البداية لم يكن حتى معارضاً لحصول "القوات" على وزارة سيادية".
وتضيف هذه الأوساط "انّ التواصل قائم ومستمر مع الرئيس المكلّف، وما عليه سوى حسم قراره بـ"تَوزيعة" يجب أن تحترمها كافة القوى، خصوصاً إذا كانت "مُحترِمة" للأحجام والأوزان".
وتلفت أوساط "التيار" الى "أننا ضد حكومة بمَن حضر، ولا نسعى لإخراج "القوات" من التركيبة الوزارية، لكنّ معراب هي التي تسعى لإخراج نفسها من الحكومة المقبلة عبر سقف المطالب الذي يرتفع كل يوم". وتؤكد أن "لا مصلحة لأحد ببقاء طرف سياسي كـ"القوات" خارج الحكومة، لكنّ رئيسها سمير جعجع يصعّب علينا الأمور"، لافتة الى أنه "منذ اللحظة التي أعلن فيها رئيس الجمهورية قبول تجيير موقع نائب رئيس الحكومة الى "القوات"، فإنّ الوقت الضائع في تأخير تأليف الحكومة تتحمّل "القوات" مسؤوليته فقط".
وأكدت مصادر معنية "انّ هناك إصراراً لدى عون والحريري على مشاركة "القوات" في الحكومة، ولكن لا يمكن الإنتظار بعد".
وليلاً، قال أمين سر تكتل "لبنان القوي" النائب ابراهيم كنعان:
"سنكون امام حكومة في غضون ايام، وهمّها فرَص العمل للشباب وإيجاد حلول للنفايات والكهرباء وتلبية تطلّعات اللبنانيين،" ودعا الى وَضع "أيدينا بأيدي بعض للإنجاز بَدل التسلّي بأخبار ونزاعات سلطوية، لأننا بوحدتنا واتفاقنا نحقق أكثر، والآتي من الايام أفضل لتحقيق مصلحة الشعب".

"الإشتراكي" لـ"الجمهورية"
وأكدت مصادر "الاشتراكي" لـ"الجمهورية" تمسّكه بحقيبة "التربية" التي يفترض ان تكون قد حسمت منذ زمن لمصلحته، وهو يفاوض على الحقيبة الثانية، وقد اقترح تَسلّم عدد من الوزارات التي تبقى ملكاً للجهات التي تتولى التأليف، لتنسيق عملية توزيع الحقائب بين مختلف الاطراف". وأشارت المصادر "الى الجهد الذي يبذله رئيس الحزب وليد جنبلاط لإخراج البلد من حال المراوحة الحكومية، لذلك حاول ان يصنع التسوية. وكما في كل مرة، هو يتقدّم بشجاعة نحو عقد التسوية في المنعطفات الحَرجة كالمرحلة الراهنة، مع تنامي المخاطر الاقتصادية والمالية التي تُرخي بثقلها على البلد، وتستوجب قيام حكومة في أسرع وقت ممكن لمواجهتها تلافياً للانهيار شبه الكامل".

الميّة وميّة
ومن جهة ثانية، يطلّ ملف السلاح الفلسطيني برأسه مجدّداً ليُربك الساحة اللبنانية والفلسطينية عموماً، والجنوبية خصوصاً. وقد انتقل مسلسل الاشتباكات المسلّحة أخيراً من مخيّم عين الحلوة الى مخيّم المية ومية.
فالاشتباكات العنيفة التي دارت الأسبوع الماضي بين حركة "فتح" و"أنصار الله" تَجدّدت بينهما أمس في مخيم المية ومية، واستخدمت فيها الرشاشات الثقيلة والقذائف الصاروخية التي تردّد صداها في صيدا.
وأفادت مديرية التوجيه في قيادة الجيش انه نتيجة الاشتباكات في المخيم سقطت قذيفة صاروخية قرب أحد مراكز الجيش حول المخيم، ما أدى إلى إصابة عسكريَّين اثنين بجروح طفيفة. وأشادت القيادة بالجهود المبذولة لوَقف الاشتباكات، ودعت الطرفين إلى "التقيّد بوَقف إطلاق النار، لِما فيه مصلحة أبناء المخيم".
وكان اللافت أنّ هذه الاشتباكات اندلعت أولاً بعد فترة هدوء، ثم انفجرت ثانياً بعد زيارة راعي أبرشية صيدا ودير القمر وتوابعهما للروم الكاثوليك المطران ايلي حداد على رأس وفد من المية ومية للقصر الجمهوري، حيث أكّد عون للوفد أنّ "الجيش سيواصل اتّخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على الأمن والاستقرار في منطقة المية ومية". وقال: "انّ الإجراءات الميدانية التي اتّخذها الجيش من شأنها منع أيّ اعتداء على البلدة وسكانها".

حداد لـ"الجمهورية"
واستغرب حدّاد توقيت تجدّد الإشباكات والهدف منها، وقال لـ"الجمهوريّة" انّ عون "كان حازماً، فهو يعرف طبيعة المنطقة جيداً وجغرافيتها، ولن يسمح بتمدّد الإشتباكات، وقد أكد لنا أنّ الجيش ينفّذ خطّة علاجية وليس خطّة نهائية". وأوضح أنّ "الجيش لن يدخل الى المخيم في الوقت الحالي، وخطته تقضي بحماية بلدة المية ومية من تداعيات الاشتباكات". وأمل في "نجاح الخطّة وتوَقّف تلك الاعمال الحربية غير المفهومة".
واتصلت النائب بهية الحريري بالرئيس المكلف وأطلعته على تطورات الوضع الأمني المتدهور في مخيم المية ومية، وانعكاسه على صيدا وجوارها والجهود المبذولة لوقف إطلاق النار.

العاصفة
من جهة ثانية، وفيما غيوم التأليف بدأت تتكشّح، تصدّرت العاصفة الجوية واجهة الاهتمام الداخلي، وخيّم جنونها على السكون الحكومي، بعدما احتلت حيّزاً واسعاً من اهتمامات اللبنانيين نظراً الى حجم الأضرار التي ألحقتها بممتلكاتهم، بعدما تدفّقت السيول وغمرت المياه المنازل والطرق والشوارع وتسرّب بعضها الى المدارس والجامعات والمحال، وجرفت السيول كل شيء أمامها حتى الكراسي والدراجات والنفايات.
وبفعل غزارة الامطار وافتراش حبّات البَرَد الشوارع الساحلية، تجمّعت المياه على الطرق والاوتوسترادات وغمرت السيارات واجتاحت محالاً ومجمّعات تجارية، وأقفلت بعض الانفاق، وتسببت بانهيارات تربية وصخرية.
واقتلعت الرياح العاتية لوحات إعلانية وبعض الاشجار والمزروعات، وتسببت بانقطاع الكهرباء، وأخّرت بعض الرحلات الجوية في مطار بيروت.