"الشبيح" هو لقب أطلقه السوريون في السنوات الأخيرة على ذلك الشخص الذي يُطلق النار على المتظاهرين من مكان خفي. بالنسبة للعراقيين فقد كان هناك فضائيون. هم أشباح تملك لقبا مدويا.
أولئك الفضائيون لا يطلقون النار على أحد. وظيفتهم تختلف عن وظيفة الشبيح السوري، غير أن الفضائي والشبيح يتشابهان في أنهما لا يظهران على الملأ ولا يُعْرفان بوظيفتيهما.
أفعالهما هي التي تشير إلى وجودهما. وهو وجود اعتباري بالنسبة للفضائي العراقي الذي يملك كل حقوق المواطن باستثناء الوجود الحقيقي، ذلك لأنه كائن افتراضي.
الفضائي هو اسم يقيم في سجل الرواتب. اسم لشخص ليس له وجود. حين أعلن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي عام 2014 عن طرد خمسين ألفا من الفضائيين من الخدمة، توقع الكثيرون أن الدولة العراقية ستصاب بالشلل. فالرقم كبير.
غير أن الأمور كما يبدو سارت من غير منغصات واستمرت الدولة من غير أن يحدث ذلك أثرا إيجابيا على ميزانيتها التي ظلت تعاني من العجز.
توقف الفضائيون، الخمسون ألفا، عن استلام رواتبهم، لكن أحدا لم يسأل عن الوقت الذي قضوه وهم يتمتعون بتلك الرواتب، ومَن هي الجهات التي قبضتها.
لقد اكتفى العبادي بإعلانه من غير أن يتطرق إلى التفاصيل التي قد تحرجه وتحرج رفاق مسيرته النضالية. لا أحد في الحقيقة سأله.
ما من أحد في العراق يعرف عدد الفضائيين الذين ما زالوا حتى اللحظة في الخدمة، كما أن عدد شبيحي سوريا مجهول، حتى بالنسبة للدولة السورية.
أما بالنسبة للمعارضة السورية فإن ذلك العدد في تزايد مستمر، ذلك لأن كل مَن يقول كلمة لا تعجب تلك المعارضة هو شبيح بالضرورة.
سألت أحد الأصدقاء السوريين عن صديق مشترك، فقال لي “يا رجل إنه شبيح” فضحكت حينها لأني فكرت بالكذبة التي صارت أشبه بالحقيقة. أضاف حينها مؤكدا التهمة “له مكتب في القصر الرئاسي”.
قلت لنفسي “الكذبة تكبر، ما دام الأمر يتعلق بعالم الأشباح”.
وبمناسبة إعلان الرئيس الجديد للبرلمان العراقي عن اكتشاف 300 فضائي كانوا ضمن جيش الحماية الخاص بسلفه، يمكنني القول إن إحصاء جديدا للنفوس يمكن أن يصل بسكان العراق إلى أكثر من ستين مليونا. بشرط أن يستند ذلك الإحصاء إلى سجل رواتب موظفي الدولة العراقية.
هناك نظام غريب في العراق يسمح بظهور الفضائيين في كل مفصل من مفاصل الدولة، وبالأخص في الأماكن الحساسة كالجيش والمخابرات وأجهزة الأمن ووزارتي المالية والنفط وشركات الحماية والسفارات وخدمات المنطقة الخضراء التي يقيم فيها سادة الحكم المعفيون من المساءلة.
لقد هُزم الجيش العراقي في الموصل لكثرة أعداد الفضائيين فيه. لم يكن أحد متأكدا من عدد أفراد ذلك الجيش الذي هرب من ساحة معركة لم تقع.
هل كانوا عشرين ألفا أم خمسين ألفا؟
الفرق كبير بين الرقمين غير أن أحدا لم يكترث بالفضيحة بما فيهم رئيس الوزراء، يومها، نوري المالكي الذي تفرغ للحديث عن مؤامرة كردية – سنية ضد الشيعة، من غير أن يتطرق لموضوع الفضائيين الذي كشف عنه خلفه حيدر العبادي.
“اتركوا الفضائيين يعيشون في عالمهم الخفي والصامت. لا تزعجوهم ولا تزعجونا بهم” ذلك ما اتفق عليه السياسيون العراقيون. لذلك فإن حشود الفضائيين صارت تضيق بها ممرات الوزارات والمؤسسات بما يقف حائلا دون أن يتمكن الشباب العراقي من الحصول على وظيفة، كان قد سبقه فضائي في الاستيلاء على راتبها.
دولة المافيا هي أيضا دولة أشباح.
في سوريا يحتل الشبيح مكانه في الواقع، غير أن الدولة لا تعترف بوظيفته تلك في سجل رواتبها. إنه موظف عادي يستلم راتبه مثل الآخرين. أما في العراق فإن الفضائي ينحصر دوره في سجل الرواتب، من غير أن يتجشم عناء استلام راتبه فقد كلف آخرين بالقيام بتلك المهمة.
لا أبالغ إذا ما قلت إن أي مسؤول عراقي لا يتحرك إلا وهو محاط بجيش من الأشباح التي تملأ وسادة نومه بالأوراق النقدية.