حامل "دكّانه" في يديه، من شارع لشارع يتجوّل بحثاً عن زبون يشتري منه علبة محارم علّه يؤّمن قوت يومه ويعود الى عائلته بعد تعب نهار مضن ببضع آلاف من الليرات تحول دون اضطراره الى حاجة الناس... هو محمد سبيتي، ابو حسن، الوجه المعروف في منطقة الحمراء بعدما امضى سنوات طويلة من عمره بائعاً من دون ان يمتلك محلاً.
"ضحكة وجع"
يومياً يقصد ابو حسن الحمراء من منطقة "عائشة بكّار" حيث يسكن، التقيته مصادفة ماراً باحثاً عن رزقه، في يديه اربعة اكياس كبيرة من المناديل الورقية، اقتربت منه لاستوضح عما تعلّمه من تجاعيد وجهه التي تروي مسيرة طويلة من الالم، ضحك وجلس على عمود صغير واضعاً حمولته على الارض ليسترسل بعدها بالحديث الى "النهار"، سألته بداية لماذا يضطر عجوز ثمانيني للعمل، اليس لديه اولاد؟ أجاب "عندي 9، بعضهم متزوج". لكن لماذا لا يكونون عكازه في الحياة يتكئ عليهم بعدما دهمه الكبر ما يحول دون اضطراره للعمل؟ يضحك محاولاً التخفيف عن نفسه بالقول: "لا يزال لدي قدرة على المشي لذلك افضل الخروج من المنزل، اتسلى اولاً وثانياً اؤمن الادوية لزوجتي المريضة حيث تبلغ كلفتها شهرياً نحو 600 الف ليرة اضافة إلى مصروف البيت". وعما ان كان مضموناً، اجاب بمرارة: "كلا للاسف، فقد امضيت شبابي موظفا في مطعم، وعندما كبرت فضّل ربّ العمل استبدالي بشاب لم تستنزفه الحياة بعد"، وعن مقدار يوميته من بيع المناديل علّق: "هذه رزقة فمثلاً الى الان لم استرزق، لكن بالمتوسط بين 20 الى 30 الف ليرة، فأنا اشتري الكيس الكبير الذي يضم 10 اكياس صغيرة بـ8 الاف ليرة، ابيعه بـ10 الآف، اي أربح الفي ليرة في كل كيس".
دروس الزمن
من الحياة الاجتماعية الى المواضيع السياسية انتقلت بالحديث مع ابو حسن، سألته عن مطالبه من الحكومة المنتظره، فأجاب متهكماً: "وهل تشكلت الحكومة بعد؟". سكت قليلاً قبل أن يتابع ما علمته اياه الايام قائلاً: "انا رجل ثمانيني من قعقعية الجسر في الجنوب، ولدت وترعرعت في بيروت، وعلى الرغم من اني امّيّ لا اجيد الكتابة ولا القراءة لكن دروس الزمن كانت كفيلة بأن افهم ما يدور، لذلك اؤكد انه منذ ولادة هذا البلد وهو محكوم من الخارج، والان اكثر من الماضي بسبب وجود الاحزاب التي هي الحاكم الفعلي للبنان، اذ للاسف كل طائفة لديها بين 5 و6 احزاب باتت اقوى من الوطن بعدما حوّلوه الى حصص يتم تقاسمها في ما بينها، ويبقى الفقير هو الوحيد من يدفع الثمن".
شهادة "الألم والأمل"
كل ما يطلبه أبو حسن من الحكومة الجديدة مع انه يعلم كما قال: "ما حدا بيرد على الفقير"، "العمل على تهدئة بال اللبنانيين وتنظيم الفوضى في تشغيل الاجانب، حيث لا عقوبات تردع اصحاب العمل الذين يفضلون توظيف الغريب على ابن البلد". واضاف: "اما موضوع الكهرباء والماء وضمان الشيخوخة، فمواضيع يتحدّث عنها اللبنانيون في الليل والنهار من دون ان تلقى أذاناً صاغية".
لم اشأ أن أعطل ابو حسن عن عمله طويلاً، على الرغم من ان الحديث واياه متعة، حيث يشعر الانسان معه ان الشهادات الجامعية ليست معياراً لثقافة الانسان، فما تعلمه العجوز من مدرسة الحياة يستحق عليه شهادة دكتوراه في "الالم والامل".