وسط الغموض المتحكّم بالصورة الحكومية، برز حضور الحريري في السعودية، في زيارة حملت الكثير من الدلالات والاشارات، إن من خلال اللقاء مع الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد، أو من حيث توقيتها الذي يتزامن مع تطورات مزدحمة على أكثر من خط إقليمي ودولي، ولعل أبرزها ما يتصل بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي والحملة الدولية المتصاعدة لتحديد الجناة.

فقد استقبل الملك سلمان في قصر اليمامة في الرياض، أمس، الرئيس الحريري، حيث تمّ عرض العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، ومستجدات الأحداث في المنطقة، في حضور أمير منطقة الرياض فيصل بن بندر بن عبد العزيز، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مساعد بن محمد العيبان، ووزير المال محمد بن عبدالله الجدعان، والمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا.

وكانت المحطة البارزة في زيارة الحريري، مشاركته في جلسة نقاش عُقدت خلال مؤتمر الإستثمار في المملكة، إلى جانب ولي العهد السعودي، الذي أعرب عن "إيمانه بأنّ جهود اللبنانيين سوف تنجح للانطلاق من جديد".

وفي مداخلته في المؤتمر، كرّر الحريري الاعراب عن تفاؤله، مؤكداً انّ تأليف الحكومة سيتم في غضون الايام المقبلة، موضحاً أنّ "كل التأخير اليوم في ملف تشكيل الحكومة هو من أجل الخروج بحكومة تحقق آمال المواطنين".

وقال: "لبنان يواجه تحديات كبرى، وهذه الحكومة التي نسعى لتشكيلها اليوم ستكون حكومة وفاق وطني، ودور المرأة سيكون كبيراً فيها، كما أنّها ستتضمن تكنوقراط، وستكون صورة عن مجلس النواب الجديد الذي أقرّ كلّ القوانين الضرورية من أجل تنفيذ مؤتمر سيدر". وأضاف: "لا يمكننا اليوم أن نحكم كما كنّا نحكم في السابق، وثمّة قوانين تحتاج إلى عملية تحديث"، لافتاً الى انه "مع تشكيل الحكومة والحوار الذي نقوم به. كان لدينا حرص على موافقة أي فريق سياسي سيشارك في الحكومة على الإصلاحات التي أُقرّت في مؤتمر "سيدر"، ويجب على الأفرقاء اللبنانيين التوافق على الإصلاحات الاقتصادية".

غبار وضياع
حكومياً، يفتح التعطيل الحكومي اعتباراً من اليوم، شهره السادس أمضى البلد أيام هذه الأشهر في تضييع وقت ومماحكات ومساجلات وسباق محموم على الحصص والأحجام، وبقيَ الوطن طيلة هذه المدة معلّقاً على حبل الشلل تَسوسه حكومة تصريف أعمال لا حول لها ولا قوة، وعاجزة عن فعل أي شيء.
ولا تؤشّر الوقائع الداخلية الى انّ البلد اقترب من لحظة الفرج، ذلك انّ صورة المشهد الحكومي يلخّصها مرجع سياسي بقوله لـ"الجمهورية": "لا معَلّق ولا مطَلّق. لا أستطيع أن أجازف واقول إنني متفائل، لأنني بذلك أكون كمَن يكذب على نفسه، أنا لست متشائماً، وانتظر كل يوم بيومه، أتفاءل فقط عندما تتشكّل الحكومة".

أسئلة بلا أجوبة
هذه الصورة يغطّيها غبار كثيف يحجب الرؤية الحقيقية لوجهة المسار الحكومي، والتشخيص الواقعي للأزمة يُبيّن انّ حالة ضياع تجتاح كل الاطراف، بحيث تكاد تقول الوقائع ان لا أحد من القوى السياسية يعرف ماذا يحصل، خصوصاً انّ المعطيات تبدو متداخلة في بعضها البعض، ومتعارضة مع بعضها البعض في آن معاً، وعلى نحو يصبح من الصعب تحديد ما اذا كانت الامور ذاهبة الى التأليف او تسير في اتجاه آخر.

حتى الآن، لا توجد أجوبة عن كثير من الاسئلة التي تتراكم على سطح المشهد الحكومي:
- لماذا لم تتشكّل الحكومة؟ ولماذا لا تتشكّل الحكومة حالياً؟ ولماذا كلما برزَ مناخ تفاؤلي سرعان ما يُنفّسه مناخ تشاؤمي يعيد الامور الى المربّع الأول؟
- لماذا تبقى ما تُسمّى عقدة تمثيل "القوات" مُستعصية على الحل؟ وهل لهذا الاستعصاء صِلة بالملف الحكومي نفسه، أم تتحكّم فيه يد خفية من الداخل او الخارج؟
- لماذا عندما بدأت عقدة "القوات" تدخل مدار الليونة والحلحلة جرى إبراز العقدة السنية؟
- هل انّ التعقيد هو تعقيد محلي، أم انّ هناك من ينتظر تطورات في الخارج ليستثمر عليها في الداخل؟
- هل صحيح انّ هناك من يراهن على تطورات يمكن ان تستجد اعتباراً من 4 تشرين الثاني المقبل موعد فرض العقوبات الاميركية الجديدة على إيران و"حزب الله"؟ ولأجل ذلك يضع العصي في دواليب التأليف، لعلّ الظروف آنذاك تكون ملائمة أكثر؟
- من يحاول ان يَضخّ المناخ الإرباكي في البلد، بأن يوحى نهاراً بأنّ الحكومة ستتشكّل حتماً ثم ما تلبث ان تتعقد الأمور وتعود الى نقطة الصفر؟
- لماذا يَتبدّى التفاؤل فقط في بيت الوسط، بينما هذا التفاؤل يوجد نقيضه في القصر الجمهوري؟
- لماذا يلقي رئيس الجمهورية مسؤولية حل عقدتَي "القوات" وتمثيل "سنة 8 آذار" على الرئيس المكلف، وينأى بنفسه عن الشراكة في هذا الحل؟
- هل صحيح انّ رئيس الجمهورية قبل بتمثيل "سنة 8 آذار" من الحصة الرئاسية، أم انه يفضّل ان يتم هذا التمثيل من حصة الرئيس المكلف؟
- إذا ما تعثّر تمثيل هؤلاء السنّة، فما هو البديل؟ وهل يضغط "حزب الله" في هذا الموضوع على رئيس الجمهورية أو على الرئيس المكلف أو على الاثنين معاً؟
- ما حقيقة ما نُقل عن مراجع رفيعة المستوى بأنه اذا لم يتم تشكيل الحكومة قبل حلول الذكرى الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية، فهذا معناه انّ التعقيدات أكبر من الواقع الداخلي، وان الحكومة لن تتشكّل في المدى المنظور؟

تكهنات
وبينما كان الحريري يمضي يومه السعودي، كان الداخل اللبناني يتأرجح في دائرة التكهنات التي تقاطعت على فرضية انّ ولادة الحكومة باتت وشيكة، الّا أنّ اللافت فيها هو افتقادها لِما يؤكد هذه الولادة، ولِما يُبدد تأرجح صورة التأليف بين التفاؤل والتشاؤم.
ويؤكد ذلك عدم بلوغ محاولات فكفكة العقد الغاية المرجوّة منها، وحسم الحصص والاحجام، وعلى وجه الخصوص ما يتصل بعقدة تمثيل "سنّة 8 آذار"، الذي يبدو أنها دخلت في حلبة اشتباك مفتوح، وكذلك ما يتصل بتمثيل "القوات اللبنانية"، التي ما زالت تؤكد انها لم تتلق ايّ رد على الافكار التي طرحتها على الرئيس المكلّف خلال اللقاء الذي جمعه قبل سفره الى السعودية مع وزير الاعلام ملحم الرياشي ومدير مكتب رئيس حزب "القوات" سمير جعجع، إيلي براغيد.

"القوات"
واستغربت مصادر "القوات" لـ"الجمهورية" المنحى الذي تسلكه الامور!! ولماذا يتم حرمانها من وزارة العدل!! واكثر من ذلك عدم العثور بعد على وزارة موازية للعدل. وقالت إنّ الكرة ليست في ملعب "القوات"، فمن الاساس قلنا إن لا شيء يحول دون تأليف الحكومة، و"القوات" ليست الجهة المعطّلة او المعرقلة، وحتى الآن لا جديد لديها، ولا مستجدات وقفت عليها سوى أنها ما زالت تنتظر الاجوبة على ما طرحته على الرئيس المكلف.

وعلى الرغم من التفاؤل الذي يبديه الحريري بقرب ولادة حكومته، الّا انّ الاجواء التي يمكن استخلاصها من مطبخ التأليف، تعكس حالاً من الترقّب الحَذر، وإن أيّاً من المعنيين بهذا المطبخ لم يَتلمّس بعد شكل الصورة التي سيَرسو عليها التأليف، بل يحاذرون الافراط في التفاؤل في إمكان إبصار الحكومة النور.
وفي هذا المنحى يصبّ موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي اعتبر أمام "نواب الاربعاء" انّ تأليف الحكومة بات أكثر من ضرورة ربطاً بخطورة الوضع الاقتصادي. وكان بري حَذراً في إبداء تفاؤله حيال حسم الملف الحكومي، ومن هنا كان تأكيده على انّ الساعات الـ48 المقبلة فاصلة على هذا الصعيد، على أمل أن تُشَكّل الحكومة في نهاية المطاف. وقال: بقدر ما هو مهم تأليف الحكومة، فإنّ تآلف الحكومة هو أكثر أهمية، لافتاً الى "ان لا عقدة أمام البيان الوزاري بعد تأليف الحكومة، لأنه يستند في خطوطه الاساسية الى بيان الحكومة الحالية".

بعبدا تترقّب
على انّ الصورة التفاؤلية التي يعكسها الرئيس المكلف، لا تبدو مكتملة في القصر الجمهوري، وسط حديث عن انّ العقد لم تحسم بعد، إن لناحية حصة "القوات" ونوعية الحقائب التي ستسند إليها، أو لناحية تمثيل "سنّة 8 آذار"، الذين ما زال الرئيس المكلف يُبدي اعتراضاً شديداً على توزيرهم.
وفي سياق الترقّب الحَذِر، يندرج موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي كان ينتظر أن يزوره الحريري مساء اليوم، قبل ان تطرأ المتغيّرات التي قلبت مواعيد الحريري، والتي أكدت مصادر بيت الوسط لـ"الجمهورية" انّ "إعلان ولي العهد السعودي عن تمديد زيارة الحريري الى الرياض تعني انّ هناك لقاءات ستُعقد في الساعات المقبلة متصلة بالوضع في لبنان. على أن يعود الى بيروت مساء اليوم، على أبعد تقدير.

في ملعب الحريري
وبحسب المعلومات فإنّ رئيس الجمهورية ما يزال يعتبر انّ الكرة في ملعب الرئيس المكلف، وينتظر التشكيلة النهائية للحكومة التي سيقدمها الحريري إليه بعد عودته من الرياض. مع الاشارة الى انّ خطوة بالغة الدلالة بادرت إليها بعبدا في الساعات الماضية، وصَنّفها مراقبون على أنها بمثابة ردّ سلبي على الافكار التي قدّمتها "القوات" الى الرئيس المكلّف قبل 3 ايام، وتمثّلت هذه الخطوة بإلغاء رئاسة الجمهورية موعداً كان مقرراً أمس، لوزير الاعلام ملحم الرياشي مع رئيس الجمهورية.
وعلى الرغم من هذه التوضيحات فإنّ هذه الخطوة بقيت في دائرة التساؤلات حول أبعادها وخلفياتها، خصوصاً انه لم يعرف ما هو الموعد الذي طرأ على رئيس الجمهورية!!

إستقالة القاضي أبو غيدا
أمس، وبعدما أعلن قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا استقالته من القضاء، علمت "الجمهورية" انّ هذه الاستقالة هي من أجل الترشح لعضوية المجلس الدستوري، مكان سهيل رؤوف عبد الصمد. ومن الأسماء الأوفر حظاً لتولي منصب قاضي التحقيق الاول في المحكمة العسكرية، مكان أبو غيدا، القاضي عفيف الحكيم