عشية عودته إلى بيروت، لاستئناف مشاورات تأليف الحكومة اليوم، حمل الرئيس المكلف سعد الحريري تفاؤله بتأليف «حكومة عمل واستعادة لثقة المواطن بدولته»، إلى منتدى مستقبل الاستثمار المنعقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية.
واعتبر الرئيس الحريري، في حلقة حوارية حول «مستقبل الاقتصاد العربي» إلى جانب ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان وولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد ان لبنان يواجه تحديات كبيرة، وهذه الحكومة التي نشكلها اليوم هي حكومة وفاق وطني..
وعزا الرئيس الحريري التأخير الحاصل اليوم في تشكيل الحكومة ليس الا لإنجاز حكومة تلامس تمنيات المواطن اللبناني.. مضيفاً: «ما فينا نحكم في لبنان مثل ما كنا نحكم في السابق»، كل العالم تغير..
ودعا العرب إلى التعاون لكي نصبح قوة اقتصادية كبرى في الشرق الأوسط، مشيراً إلى ان هذا النجاح الذي تحققه المملكة العربية السعودية، وذاك التحوّل الذي تشهده سيجعل حولها الكثير من الحاسدين، من هنا ستشهد صعوداً وهبوطاً، وهذا الأمر يمكن لنا جميعاً ان نمر به.
ولما لمسه الرئيس الحريري ان المملكة تدعم تأليف الحكومة، في أسرع وقت ممكن.
وقال ولي العهد في جلسة نقاش مشتركة مع الرئيس المكلف وولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، في منتدى مبادرة الاستثمار المنعقد في الرياض، خلال حديثه عن لبنان ودور الرئيس المكلف بقوله:«نستطيع ان نرى عملاً قوياً ورائعاً جداً بقيادة دولة الرئيس في لبنان لاستعادة لبنان لصادراته والانطلاق من هناك جازماً بنجاح جهود اخواننا في لبنان بقيادة دولة الرئيس والقادة اللبنانيين».
اضاف: «عمل رائع يقوده الحريري لاستعادة صدارة لبنان، ومازح الحاضرين قائلاً: «إن الحريري باقٍ يومين في السعودية ارجو ان ما يطلعوا إشاعة بخطفه».
مراوحة
في هذا الوقت، سجلت أوساط متابعة في بيروت مراوحة في التأليف، طالما ان عقدة تمثيل «القوات اللبنانية» لم تحل، ولم يظهر ما إذا كانت على استعداد للقبول بحقيبة «العمل» بدلاً من «العدل».
وكذلك لم تعالج عقدة تمثيل السنة المستقلين من خارج تيّار «المستقبل» الذين رفعوا سقف مواقفهم، أمس، بالتأكيد على انهم «ليسوا في وارد القبول بتسويات أو تنازلات في شأن تمثيلهم في الحكومة».
وفي اعتقاد المتفائلين، ان عودة الرئيس الحريري، والجواب الذي سيبلغه لمعراب مساءً على الارجح رداً على «ورقة المقترحات» التي سلمه إياها قبل أيام وزير الإعلام ملحم رياشي ومدير مكتب رئيس حزب «القوات» ايلي براغيد، يفترض ان يزيلا الضبابية التي تغلف ما تبقى من مصير العقد التي تحول دون ولادة الحكومة، خصوصاً وانه بعد هذه الخطوة سيقوم الرئيس الحريري بزيارة إلى بعبدا لاطلاع الرئيس ميشال عون على تطورات الملف الحكومي، في محاولة أخيرة لتوليد الحكومة في الأيام الفاصلة عن 31 تشرين الحالي، موعد الذكرى الثانية لانتخاب عون رئيساً للجمهورية، علماً ان الرئيس نبيه برّي دق أمس ناقوس خطر الانهيار الاقتصادي الوشيك إذا لم تتخطَ البلاد عقبة التشكيل سريعاً.
استقبال ملكي للحريري
وكان الرئيس الحريري الذي استقبله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في قصر اليمامة في الرياض، في خطوة لافتة، عكست حفاوة سعودية ظاهرة به، تجلّت لاحقاً بمشاركته في حلقة حوارية حول «مستقبل الاقتصاد العربي» ضمن فعاليات «منتدى الاستثمار» المنعقد في الرياض، الى جانب ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان بن عبد العزيز وولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد، قد أكد ان «التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة ليس إلا لإنجاز حكومة تلامس تمنيات المواطن اللبناني»، مشدداً على ان هذه الحكومة التي سنشكلها ستنفذ كل مقتضيات مؤتمر «سيدر»، لكي نتمكن من الخروج من المأزق الاقتصادي الذي نعيشه، وتحسين النمو الذي وصل إلى 1.5 في المائة، مكرراً تفاؤله، بأن الحكومة اللبنانية المقبلة ستكون حكومة عمل واستعادة لثقة المواطن بدولته، لأن اللبناني عانى ما عاناه منذ استشهاد الوالد، رحمه الله، وبات هناك انقسام في البلد».
وقال ان «الحكومة ستكون صورة عن المجلس النيابي الجديد، والذي أقرّ بدوره كل الإصلاحات التي وردت في مؤتمر «سيدر»، والاهم بالنسبة لي في هذه الحكومة ان يكون الوزراء من الشباب والنساء، لأنه يجب ان نعطي المرأة دورها أيضاً في العمل الحكومي في لبنان، وان الحكومة ستكون ان شاء الله بمستوى الكوادر التي ستتألف منها، وهي ستضم تكنوقراط أيضاً، وستنفذ ما اتفقنا عليه في «سيدر»، وكل ذلك سيندرج في بيانها الوزاري»، لافتاً «الى ان الحكومات في لبنان تحتاج دائماً إلى وقت لتتألف، ونأمل ان تشكّل الحكومة خلال الأيام المقبلة».
أجواء بعبدا
اما في بيروت، فلم تكن في أجواء تفاؤل الحريري، إذ عكست مصادر بعبدا أجواء مراوحة في عملية تأليف الحكومة، نظراً إلى استمرار عقدتي تمثيل «القوات» والسنة المستقلين.
ولم تتحدث مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية الا عن قيام الرئيس عون بما عليه من تسهيل في الملف الحكومي مبررا التمسك بحقيبة العدل في الوقت الذي لم يشرح الفريق الذي يرغب بهذه الحقيبة حقيقة هذا التمسك.
وسألت المصادر عن سبب بروز العقد في اللحظة الاخيرة. ولفتت الى ان المشكلة ليست في بعبدا والموقف كان معروفا اي ضرورة قيام حكومة وفاق وطني. واكدت ان رئيس الجمهورية بادر الى التدخل في سياق الحل. ورأت المصادر ان عقدة الحقيبة الموازية لحقيبة العدل لم تحل وكذلك الامر في ما خص العقدة السنية خارج المستقبل.
ولفتت الى ان المساعي متواصلة لإنجاز الحكومة الجديدة واي لقاء بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومه المكلف مرتقب بعد عودته من المملكة العربية السعودية لكن لم يحدد موعده.
اما بالنسبة الى تأجيل زيارة الوزير ملحم الرياشي الى الرئيس عون فقد ابلغ الصحافيون ان موعدا طرأ لدى الرئيس عون فتم ابلاغ الوزير الرياشي من دون اضافة اي كلمة اخرى. لكن ما جرى تداوله في الاوساط الصحافيه هو ان هذا التأجيل مرده الى ما سرب في جلسة ميرنا الشالوحي بين الوزيرين باسيل والرياشي، في حضور النائب ابراهيم كنعان الذي نفى مكتبه الإعلامي ما نشر في الصحيفة المذكورة عن حوار وصفه «بالمزعوم» حول حسابات الوزير باسيل وسياساته، للإيحاء بأن المسيحين سيرحلون بالقوارب إلى ألمانيا بفضل هذه السياسات بينما هذا الأمر لم يمت إلى وقائع اللقاء بصلة.
واعتبر بيان كنعان ان ما تضمنه المقال «حمل اجتزاء وتحويراً لفحوى اللقاء الذي جرى في نهايته اقتراح آليات تنسيق في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد تأليف الحكومة، لسد الثغرات القائمة ومعالجة الملفات المطروحة تعزيزاً لروح التفاهم والمصالحة بين الطرفين».
ولم يصدر عن الوزير رياشي أي تعليق أو توضيح حول ما جرى بالنسبة لإلغاء موعده مع الرئيس عون في بعبدا.
لقاء الأربعاء
وسط هذه الأجواء، جدد رئيس مجلس النواب نبيه بري التأكيد على «وجوب تأليف الحكومة الذي بات اكثر من ضرورة»، لافتاً الى «خطورة الوضع الإقتصادي في البلاد بالاستناد الى الواقع والوقائع التي يملكها». وقال: «اذا كان تأليف الحكومة هو غاية الأهمية، فإن تآلف الحكومة هو اكثر أهمية»، مجددا الدعوة الى «تطبيق القوانين وتشكيل الهيئات الناظمة».
ونقل النواب الذين شاركوا في لقاء الاربعاء النيابي امس «ان الرئيس بري قد يدعو الى جلسة تشريعية عامة تعقد قبل نهاية هذا الشهر، وإنه دعا هيئة مكتب المجلس للاجتماع غدا (اليوم) من اجل هذه الغاية». واشار الى «ان هناك ما يقارب الأربعين مشروع وإقتراح قانون جاهزة لإدراجها على جدول اعمال الجلسة المذكورة».
وأكد انه «لن يكون هناك مشكلة حول البيان الوزاري بعد تأليف الحكومة، لأنه يستند في خطوطه الأساسية الى بيان الحكومة الحالية».
وتحدث النائب علي بزي انه في حال تشكلت الحكومة فإن الرئيس بري يعتبر ان البيان الوزاري جاهز او شبه جاهز وبالتالي فإن الهيئة العامة تبدأ بنقاش البيان الوزاري وطرح الثقة قبل ان تنتقل الى التشريع.
العقدة السنية
وفيما لم يطرأ أي تطوّر على صعيد معالجة مسألة تمثيل السنة المستقلين، ولم يجر أي اتصال بهم، لا من دوائر بعبدا، ولا من «بيت الوسط» باستثناء ما أبلغه الرئيس الحريري للوزير جبران باسيل أمس الأوّل، بأن توزير هؤلاء غير وارد لديه، اعتبر «اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين»، في أعقاب اجتماعه في منزل الرئيس الراحل عمر كرامي، ان تمثيله في الحكومة أمر بديهي لا يحتاج منة من احد ولا يخضع لمساومات او تسويات او توليفات على الطريقة اللبنانية.
وثمن «دعم حلفائه لهذا المطلب انطلاقا من حرص هؤلاء الحلفاء على أن أبراز صفة لحكومة الوحدة الوطنية هو ان تكون حكومة جامعة وعادلة وتعكس نتائج الانتخابات النيابية».
ولفت البيان الذي تلاه النائب فيصل كرامي نظر الرئيس المكلف الى «أن تجاهله للمطلب السني لا ينفي وجوده، وان عدم طرحه ضمن جدول اعماله هو وكتلته يعني ان جدول الاعمال ناقص، وان التحجج بأن النواب السنة المستقلين لا يشكلون حزبا كبيرا فأن الرد على هذه الحجج هو ان قانون الانتخابات في لبنان لم يكن على اساس حزبي كما ان نتائج الانتخابات تسمح بتشكيل تحالف او جبهة سياسية تعبر عن التوجه السياسي لناخبيها»، مؤكداً» ان نواب اللقاء يمثلون توجها سياسيا وطنيا لشريحة كبيرة من الناخبين السنة الذين لا تتوافق رؤيتهم السياسية مع تيار المستقبل. ثم ما الضير وما العيب في أن يكون النواب السنة المستقلون جبهة سياسية على غرار باقي الجبهات والتكتلات السياسية في لبنان التي تنشأ عادة عقب كل انتخابات نيابية؟