استضاف معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي- وزارة المالية صباح اليوم الأربعاء الاجتماع الثامن لشبكة "النوع الاجتماعي والحوكمة في دول البحر المتوسط " Réseau mixité et Gouvernance autour de la Mediterranée. وافتُتِحَ الاجتماع بمشاركة وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية الدكتورة عناية عز الدين وسفير فرنسا لدى لبنان برونو فوشيه، وشدّدت عزّ الدين خلال حفل الافتتاح على أن "البلد بحاجة إلى حكومة تعلن حالة الطوارئ الوطنيّة لمعالجة الكثير من القضايا المعيشيّة والاقتصاديّة والحياتيّة"، ملاحِظَةً أنّ ثمّة "ملفّات لم تعد تحتمل الانتظار". وإذ رأت أنّ "قضايا المرأة يجب أن تكون على رأس أولويّات أيّ حكومة جديدة"، أكّدت أنها ستعطي الأولوية في تجربتها النيابيّة، للعمل "على تطوير البنية التشريعيّة المتعلّقة بالمرأة للقضاء على كل أشكال التمييز السلبي ضدّ النساء في مختلف المجالات"، معتبرة أن "أنّ لا بديل مِن قانون الكوتا الكفيل بإحداث تغيير في سلوك الناخبين الانتخابي وسلوك الأحزاب الترشيحي".
وحضر حفل الافتتاح كلّ من من النائبة رلى الطبش، وسفيرة كندا لدى لبنان ايمانويل لامورو، ومديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان سيلين مويرود، ووزيرة المالية التونسية السابقة رئيسة المجلس الوطني للإحصاء في تونس لمياء زريبي، والأمينة العامة للمجلس الأعلى للمساواة المهنية بين المرأة والرجل قي فرنسا بريجيت غريزي، وعدد من المديرين العامين في الإدارة العامة اللبنانية.
بساط
وشدّدت رئيسة معهد باسل فليحان لمياء المبيّض بساط في كلمتها على أهمية تحقيق المساواة بين الجنسين واصفةً إياها بأنها "فرصة" و"حاجة مجتمعية". ورأت ضرورة مشاركة النساء في العمل العام والقرار العام. وقالت: "عندما يعمل المزيد من النساء، يكون اقتصاد بلادنا بلا شك أكثر قدرة على التنافس وأكثر شمولاً (...) وعندما تشارك النساء في عملية سلام، تكون للاتفاق فرص أكبر للاستمرار مدة أطول". واضافت: "على النساء إذاً واجب التأثير على مجتمعاتنا وحكوماتنا وإعادة هيكلتها من خلال رؤاهنّ وأفكارهنّ ومواهبهنّ". ولاحظت أن "المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باتت تتمتع بمستوى من التعليم والمهارات أكثر من أي وقت مضى"، لكنها أسفت لكون "24 في المئة فحسب من نساء المنطقة يعملن، فيما تبلغ النسبة 60 في المئة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".
آرسييه
أما رئيسة شبكة النوع الاجتماعي والحوكمة في دول البحر المتوسط آنييس آرسييه، فوصفت "هذه االشبكة والشبكات الوطنية المرتبطة بها، بأنها عناصر تغيير في الدول وفي الوظيفة العامة والجهاز التنفيذي للحكومات، وهي نقاط ارتكاز لتطوير السياسات وجعلها متكيفة مع حاجات الشعوب". ورأت أن ما يتيح لها ذلك هو أنها "تجمع نساء في قلب المؤسسات الحكومية ويعرفن كيفية اتخاذ القرارات العامة والسياسية، وإلى أي مدى لا تأخذ هذه القرارات في الاعتبار طموحات النساء بالقدر الكافي". وشددت على أن هؤلاء النساء "يمكنهنّ جماعياً أن يؤثّرن"، معتبرة أن "من واجب النساء التأثير على السياسات". وأضافت: "ثمّة حاجة الى النساء لتطوير السياسات في كل المجالات، سواء في الأمن أو العمل أو الموازنة أو الهجرة أو سواها". وشددت على أهمية دور الشبكة في تعزيز تأثير النساء.
عز الدين
ورأت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية الدكتورة عناية عز الدين أن "الحركة النسائيّة يجب أنْ تتحوّل حركةً اجتماعيّةً وحقلاً معرفياً تغذّيه التجارب والأفكار والمقاربات المختلفة والمتنوّعة والمنتمية لبيئات تتمايز في الكثير من القضايا لكنّها بالتأكيد تتكامل وتتلاقح وتصبح أكثر غنى من خلال الانفتاح المتبادل".
وتحدثت عن تجربتها فقالت: "تجربتي في مواقع القرار تُعتبَر مرحلةً قصيرة من انخراطي في الشأن العام التي بدأت باكراً وبمبادرة فرديّة نتيجة تفاعلي القوي مع الأحداث التي كانت تعصف بلبنان وأبرزها الاحتلال الإسرائيلي، وأنا ابنة الجنوب الذي شهد الاعتداءات والاجتياحات والتدمير والتهجير والحرمان والتهميش إبنة الجنوب التي واكبت في طفولتها صعود شخصيّة عظيمة مثل شخصيّة الإمام موسى الصدر التي شكّلت لي مصدر الإلهام. كان الإمام الصدر الأيقونة التي بقيت في قلبي حتى اليوم، فهو صاحب الكاريزما التي لا يمكن لأحد أنْ يخرق جاذبيّتها. وهو الرمز الذي يزداد تألقاً مع مرور الزمن".
واضافت: "في تلك الظروف بدأ انخراطي في الشأن العام وتفاعلي مع التطوّرات المحيطة بي. وأدركت باكراً أنّ الخروج إلى العام هو قضيّة أساسيّة في حياة النساء وأنّ مجالات الخروج إلى العام تتركّز في ثلاثة: التعليم والعمل والمشاركة السياسيّة".
وتابعت: "على مستوى العلم أنا ابنة عائلة جنوبيّة تشكّل نموذجاً لظاهرة سادت في الجنوب في سبعينات القرن الماضي. ظاهرة تحوّل فيها العلم إلى قيمة عليا. وهنا يسجّل دور فاعل ومؤثّر لسماحة الإمام الصدر الذي أحدث تحوّلاً كبيراً في بيئة الجنوب ما أدّى إلى تنمية علميّة فكريّة ثقافيّة. وأنا دائماً اعتبرت نفسي ممثّلة لفائض من الكفايات التي يزخر بها الجنوب. ولم تخل تجربة الدراسة من التمييز. كانت البئية التي تربّيت فيها تعطي الأولويّة لتعليم الصبيان وكان علي كما غير من بنات جيلي أن أناضل وأن أثبت وجودي وجدارتي متّكلة على نفسي من دون أيّ دعم أو مساعدة. وربّ ضارة نافعة. أعتقد أنّ مثل هذه التجربة تعطي المرأة قوّة ودفعاً ومقوّمات للنضال وللإنجاز من دون انتظار الجوائز المجّانية أو الهدايا الجاهزة".
واشارت إلى أنها حملت هذه المنهجيّة "إلى سوق العمل حيث التحدّي الثاني والمهم". وقالت: "بعد التمكين العلمي لا بد من خوض معركة التمكين الاقتصادي التي كانت أصعب وأكثر تعقيداً. الاستقلاليّة الاقتصاديّة هي الشرط الأساسي لامتلاك المرأة عنصر المبادرة، ما يمنحها القدرة على اتّخاذ القرارات وحسم الخيارات".
واضافت: "قراري كان التوجّه إلى القطاع الخاص، سواء العمل الأكاديمي أو مزاولة المهنة كطبيبة. الظروف كانت صعبة. واجهت شبكة فاسدة محكمة ومتماسكة. لم أقبل المساومة على أخلاقيّاتي الطبّية والمهنيّة والإنسانيّة. في تلك المرحلة أدركت أنّ الفساد منظومة شرّ متكاملة، تنتهك الكرامة الإنسانيّة، وتعمّق الفوارق الاقتصاديّة والاجتماعيّة بين الناس. لذلك عند إعطائي الأولويّة لوضع الاستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الفساد بعدما تولّيت وزارة التنمية الإدارية، كنت أنطلق من معايشة مباشرة للضرر الكبير الذي يُلحقه الفساد بالناس ومشاريعهم وأحلامهم والأهم نظرتهم إلى وطنهم وثقتهم به".
وتابعت: "هذه القضيّة كانت همّي الأساسي في وزارة الدولة لشؤون التنمية الإداريّة. كيف تستعيد الدولة ثقة مواطنيها. واليوم إذا ما نظرت إلى السنتين الماضيتين في الوزارة أشعر بالرضى النسبي طبعاً لكوني عملت على استراتيجيّتين وطنيّتين أساسيتين للإصلاح، فإضافة إلى استراتيجيّة مكافحة الفساد، هناك استراتيجيّة التحوّل الرقمي الكفيلة، في حال تبنّيها من خلال قرار سياسي كبير، بأنّ تُحدث تغييراً كبيراً في بنية القطاع العام في لبنان".
ثم تناولت تجربتها في مواقع القرار، فأشارت اولاً إلى أنها أتت إلى الوزارة والنيابة "عبر مسار تنظيمي سياسي وليس عبر الوراثة (سواء للأموات أو للأحياء) كما هي القاعدة في لبنان". واضافت: "يمكنني القول بكل ثقة أني حظيت بكل تشجيع من بيئتي الاجتماعيّة وتبيّن لي بشكل قاطع أنّ انخراط المرأة في السياسة منسجم إلى أبعد الحدود مع سلّم قيم مجتمعنا. تلقّيت الدعم والتشجيع من الرجال والنساء على السواء. من رجال دين ورجال ونساء سيّدات أعمال وأكاديميّين وأكاديميّات ومفكّرين ومفكّرات وصحافيّين وصحافيّات من الآباء والأمّهات ومن جيل الشباب. حتى داخل مجلس الوزراء حيث كنت السيّدة الوحيدة بين 29 رجلاً، ودائماً كان يُوجَّه إلي السؤال حول هذه النقطة، أستطيع القول إني لم أشعر بأي تمييز سلبي".
ولاحظت أن الأمر، ككل تجارب وصول النساء إلى مواقع القرار، ما كان ليحصل لولا قرار يتّخذه أحد الزعماء اللبنانيّين المنفتحين المؤمنين بأهمّية وصول المرأة إلى مواقع القرار الحزبي أو الوزاري أو النيابي، وفي حالتي رئيس حركة أمل دولة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي".
وقالت: "بكل صراحة لم ننجح كنساء في وصولنا إلى مواقع القرار بشكل انسيابي ولم نستطع تحويل الأمر إلى نسق أو نمط ويتأكد يوماً بعد آخر أنّ لا بديل مِن قانون الكوتا الكفيل بإحداث تغيير في سلوك الناخبين الانتخابي وسلوك الأحزاب الترشيحي وأعتقد أنّ الطريق ليست صعبة نتيجة ما ذكرته من ترحيب اجتماعي بالتجربة السياسيّة للمرأة وأعتقد أنّ النساء يجب أن يضغطن من داخل أحزابهن من أجل الوصول إلى كوتا في مواقع القرار الحزبي أيضاً".
وتابعت: "إنّ قناعتي التي تكوّنت لدي نتيجة هذه التجربة أنّ الأزمة ليست مرتبطة بوضع النساء فحسب. إنّ العقبات هي نفسها للرجال والنساء والسبب عائد إلى فهمنا الخاطئ لمعنى السياسة. أنا مؤمنة بأنّ إعادة تعريف معنى السياسة في الاتّجاه الصحيح سيكون لمصلحة المرأة. فإذا سلّمنا أنّ السياسة تعني تدبير شؤون الناس كل الناس ورعايتهم والتفكير بمستقبلهم فإنّ من هو قادر على القيام بهذه المهمّات بكفاءة أعلى هم النساء، لأنّهن أكثر قدرة على الانسجام مع عمل سياسي يقوم على نكران الذات وبذل التضحيات والعمل وفق إحساس عالٍ بالمسؤوليّة تجاه المجتمع. عندما تصبح السياسة خدمة عامة وليست موقع تشريف أو ممراً للمكاسب الشخصيّة ولممارسة الفساد، فإنّ الفرص ستكبر أمام النساء. بالنسبة لتجربتي الشخصيّة يمكنني القول بكل ضمير مرتاح أنّ مدخولي المادي تراجع منذ تولّيت الشأن الحكومي وأني سعيت لأن أكون خادمة عامة من خلال موقعي".
وقالت إن من أكثر القضايا التي شغلتها خلال تجربتها الوزاريّة ومن ثمّ النيابيّة هي محاولة أن يؤثّر وجودها في موقع المسؤوليّة على وضع النساء في لبنان. ورأت أن "إحدى أهم الإشكاليّات في البلدان النامية هي أنّ وصول النساء إلى مناصب سياسيّة لا ينعكس إيجاباً على وضع النساء العام في هذا البلد". واعتبرت أنّ "القفزات السياسيّة التي تحقّقها بعض النساء نتيجة ظروف مساعدة لم تصنعها جهود النساء ولا تعبّر عن نضجهن السياسي، لن تكون مثمرة على مستوى الحركة النسائيّة العامة". وأكّدت أنّ "هذا الأمر ستكون له أولويّة" في تجربتها النيابيّة "من خلال العمل على تطوير البنية التشريعيّة المتعلّقة بالمرأة والمنصفة لها للحد وللقضاء على كل أشكال التمييز السلبي ضدّ النساء في مختلف المجالات". وشدّدت على أنّ "قضايا المرأة يجب أن تكون على رأس الأولويّات لدى أيّ حكومة جديدة. حكومة ننتظر ولادتها بأسرع وقت ممكن لأنّ الكل يدرك أنّ في البلد ملفّات لم تعد تحتمل الانتظار لا بل إنّ البلد بحاجة إلى حكومة تعلن حالة الطوارئ الوطنيّة لمعالجة الكثير الكثير من القضايا المعيشيّة والاقتصاديّة والحياتيّة".
فوشيه
أما سفير فرنسا لدى لبنان برونو فوشيه، فرأى أن "الشبكة أثبتت جدواها"، متمنياً أن "يتعزز دورها أكثر فأكثر"، مبدياً استعداد فرنسا للاستمرار في دعمها. وكشف أن فرنسا تعتزم "تجديد الترتيب الإداري" بينها ولبنان "بهدف تحديد خطة عمل جديدة في موضوع الحوكمة".
واشار إلى أن "المساواة بين الرجل والمرأة تشكّل أولويّة لدى الحكومة الفرنسيّة سواء على الصعيد المحلّي أو الدولي". وقال: "على الصعيد المحلّي، حققنا تقدّماً كبيراً في السنوات الأخيرة. فمن العام 2012 إلى العام 2017 تقدمت فرنسا وفق المنتدى الاقتصادي العالمي من المركز 45 إلى المرتبة 11 عالمياً في مجال المساواة بين المرأة والرجل، الأولى بين دول مجموعة العشرين". لكنّه لاحظ أن "32 في المئة من النساء في الإدارة العامة الفرنسية يشغلن مناصب قياديّة في حين أنّهنّ يمثّلن 55 في المئة من إجمالي عدد الموظفين".
ورأى أن "الطريق لا يزال طويلا"، مشيراً إلى أنّ "20 في المئة فقط من أعضاء السلطات التشريعيّة على المستوى الدولي هن من النساء، وثمة 19 في المئة من رؤساء الدول نساء، و18 في المئة وزيرات".
جلسة أولى
ثم عقدت جلسة عامة أولى عن "المرأة في الإدارة: التحديات والقضايا الراهنة"، تحدثت فيها سفيرة كندا ايمانويل لامورو، ووزيرة المالية السابقة في تونس لمياء زريبي، ومديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان سيلين مويرود، والأمينة العامة للمجلس الأعلى للمساواة المهنية بين المرأة والرجل في فرنسا بريجيت غريزي. وأدلت المتحدثات بشهادات عن تجاربهنّ. ثم عقد الاجتماع المغلق للشبكة.
وينظم المعهد غداً الخميس وبعد غد الجمعة، على هامش الاجتماع، ورشة عمل بعنوان "العناصر والأدوات المشجّعة للقيادة لدى النساء"، بالتعاون مع المدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا. وتدير الورشة الخبيرة في الجندر والسكان والتنمية المستدامة في الوكالة الفرنسية للتنمي وفاء سانانيس. وتهدف ورشة العمل إلى تعزيز القدرات الشخصية والمؤسسية في مجال الجندر والتنمية، وتحفيز المشاركين والمشاركات، على تفعيل التغيير وتعزيز القيادة لدى النساء داخل المؤسسات.