غادر الرئيس سعد الحريري إلى السعودية أمس، كما لو أنه أنهى تأليف حكومته. أراد توجيه رسالة إلى حكام الرياض، يقول فيها إنه في صفهم، وهم يحاولون لملمة آثار اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول. قصد الرئيس المكلف تأليف الحكومة المشاركة في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض. بالتأكيد، لا مال لدى الحريري، ولا لبنان بطبيعة الحال، يهديه لابن سلمان على شكل استثمارات في السعودية. على العكس من ذلك، فإن البلاد غارقة في الديون والعجز على كل المستويات: عجز في الميزان التجاري، عجز في ميزان المدفوعات، عجز هائل في الموازنة، عجز عن تأمين الخدمات الأساسية للسكان، وعجز عن تقديم أيّ حل للمعضلات التاريخية كما عن أي خطة يثق اللبنانيون بأنها ستحسّن أحوالهم في المستقبل. لكن الحريري ترك شأن حكومته، وغادر بيروت إلى الرياض. لا همّ. فيومان لن يغيّرا شيئاً في قائمة شهور الفراغ في السلطة التنفيذية، ولا في مسلسل تراكم خسائر الاقتصاد الوطني. لكن يبدو أن «اطمئنان» الحريري لا ينسحب على جميع المسؤولين. فرئيس مجلس النواب نبيه بري، بحسب ما نقل عنه زواره أمس، يرى أن الأوضاع الاقتصادية تُنذر بانهيار سيقع في غضون أسابيع، لا أشهُر، إن لم تتألف الحكومة ولم تاتِ الأموال التي وُعِد بها لبنان في مؤتمر «باريس 4» («سيدر»). وعندما سئل بري عن «الإصلاحات» المطلوبة قبل بدء تنفيذ وعود «سيدر»، ردّ بأن مجلس النواب قادر على إقرار هذه الإصلاحات في جلسة واحدة. ولم يُعرف ما إذا كان دق بري لناقوس الخطر مبنياً على معطيات موجودة في عهدة «من بِيَدهم الأمر»، أو أنه إنذار لحثّ القوى السياسية على الإسراع بتأليف الحكومة، علماً بأن كلام رئيس المجلس ورد في جلسة مغلقة غير مخصصة مداولاتها للنشر.
 

وكان بري قد استقبل أمس وزير الإعلام ملحم رياشي، فعلّق رئيس المجلس على الزيارة، للإعلاميين، بالإشارة إلى أن «القوات بحسب ما نقل رياشي تتمسّك بحقيبة العدل لكن، وإن لم يكُن هناك إمكانية للتنازل عنها، فهي لن تقبل في مقابلها إلا بحقيبة وازنة». ولفت بري إلى أن «الحكومة مسكرة حالياً ولا جديد»، مؤكداً أنه «سيساعد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إذا طلب الأخير المساعدة فقط»، وأنه «لن يتدخل إذا ما طلب إليه من أي طرف آخر». وقال: «لن ألعب دور رئيسي الحكومة والجمهورية، فتأليف الحكومة هو من صلاحيتهما»، معتبراً أن «المشكلة هي في أن تأليفها لا ينحصر بين الحريري وعون، بل هناك أكثر من طرف يتدخل في عملية التأليف».


وقال رياشي بعد اللقاء: «وضعت الرئيس بري في أجواء اللقاء الأخير مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والنقاشات مفتوحة». وتابع: «القوات اللبنانية لا تريد حقائب معينة، لكن الافتئات على القوات غير مقبول»، على حد تعبيره. وأضاف: «سنكمل بعملنا كما يلزم والحكومة مش واقفة علينا ولن تسهل القوات أكثر من ذلك»، مؤكداً أن «القوات ما رح تتحجم».
على صعيد آخر، نفى النائب وليد جنبلاط بعد ظهر أمس ما نشرته «الأخبار» في عددها الصادر أمس، عن أنه رفض استقبال الرئيس سعد الحريري في منزله، قبل أكثر من أسبوع. بدوره نفى الحريري ما نُشر، علماً بأن مصادر جنبلاط تؤكد أن الأخير رفض استقبال رئيس حكومة تصريف الأعمال مرتين، لا مرة واحدة! وتجدر الإشارة إلى أن ما نشرته «الأخبار» رفع أمس من منسوب التوتر القائم أصلاً بين الحريري وجنبلاط. وقد ألغى رئيس الحكومة موعداً كان محدداً للقاء النائب وائل بوفاعور، بحجة توجهه إلى السعودية. وتدخّل وسطاء بين الفريقين للعمل على تهدئتهما.