عند خط، عدم القدرة على تقديم تنازلات أكثر، فهذا حال الرئيس المكلف سعد الحريري، عشية مغادرته ليلاً إلى المملكة العربية السعودية تلبية لدعوة رسمية تلقاها للمشاركة في المنتدى الاقتصادي السعودي، على الرغم من ان الاتصالات مستمرة لتأليف الحكومة مع الأطراف كافة.
وهذا حال «القوات اللبنانية»، على لسان وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم رياشي، الذي نقل إليه تطورات الاتصالات في ما خص تمثيل «القوات»، موفداً من رئيس الحزب سمير جعجع، إذ أكّد بعد اللقاء ان حزبه «لا يتمسك بحقائب معينة، وهي قدمت تسهيلات كثيرة، ولا يمكن ان تسهل أكثر».
ولم تشأ مصادر مطلعة الحديث عن مدة زيارة الرئيس الحريري إلى الرياض، لكنها ربطت استئناف المشاورات بعد عودته، انطلاقاً من حرص الرئيسين ميشال عون والحريري على إصدار مراسيم الحكومة في غضون الأيام القليلة المقبلة.. وتحديداً قبل الأربعاء المقبل، موعد نهاية الشهر، أو مناسبة مرور عامين كاملين على انتخاب الرئيس عون.
وخلافاً لاجواء أوحت بها مصادر قريبة من «التيار الوطني الحر» ان «البعض يتقصد إشاعة أجواء إيجابية، وهذا خلاف لما يطرح في اللقاءات المغلقة، حيث يتمسكون بالطروحات غير الواقعية» في إشارة إلى ما تطرحه «القوات اللبنانية» في لقاءات التفاوض.
وتكتمت المصادر القريبة من الرئيس المكلف على ما دار في اللقاء المسائي بين الرئيس الحريري والوزير جبران باسيل، الذي زار بيت الوسط قبل سفر رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى الرياض، لكنها كشفت ان نقاط التباين ضاقت جداً.. معتبرة ان لا مكان «للسنة المستقلين» على جدول أعمال الرئيس الحريري، ولا على جدول اتصالاته المتعلقة بتأليف الحكومة.
وكان الرئيس الحريري اعتبر ان الإجراءات التي اتخذتها الرياض في قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقي «تخدم مسار العدالة والكشف عن الحقيقة..»، مندداً بالحملات المغرضة ضد المملكة.
وقال في بيان ان «توجهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز من شأنها ان تضع الأمور في نصابها الصحيح»، مؤكداً أن «استقرار السعودية وسلامتها والتضامن معها مسألة لا يصح ان تخضع للتردد تحت أي ظرف من الظروف».
حكومة قبل الثلاثاء
ووفقاً للمعطيات الإيجابية، فإن مصادر في كتلة المستقبل توقعت ان ترأس النائب بهية الحريري، اجتماع كتلة المستقبل على اعتبار ان الحريري سيكون في الأسبوع المقبل رئيساً لحكومة كاملة الاوصاف، ولا يجوز بروتوكولياً ان يترأس اجتماعاً لكتلته النيابية.
وبحسب هذه المصادر، فإنه لم يبق من عراقيل امام تشكيل الحكومة سوى عقدة تمثيل «القوات اللبنانية»، لأنه في نظر الحريري، لا وجود لعقدة تمثيل السنة المستقلين من خارج تيّار «المستقبل»، وهو «أمر غير مدرج في جدول أعمال التأليف»، وفق تعبير الكتلة التي رأت في بيانها انه من شأن تمثيل هؤلاء ان «يضيف إلى مسلسل العقد المعروفة عقدة جديدة لا وظيفة لها سوى فرض شروط جديدة وغير مقبولة، لن يُقرّ بها الرئيس المكلف تحت أي ظرف من الظروف».
وكان الرئيس الحريري شدّد خلال حفل عشاء أقامه مساء أمس الأوّل على شرفه رئيس اتحاد رجال الأعمال للبحر المتوسط جاك صراف في دارته في الرابية أن «على جميع الأفرقاء السياسيين أن يفكروا بلبنان وبمصلحة البلد قبل أن يفكروا بالأحجام» «اذا عملنا جميعا معا سنخرج من هذه الازمة».
وقال: «أننا نمر في مرحلة دقيقة اقتصاديا وإقليميا، ونحن نبذل كل الجهود اللازمة لتشكيل الحكومة الجديدة. صحيح أننا نواجه صعوبات وتحديات كبيرة، ولكن نحن لبنانيون ولدينا الإمكانية والذكاء لأن نخرج من هذه الأزمة إذا عملنا جميعا معا، خصوصا وأننا مدعومون بنتائج مؤتمر «سيدر» ومؤتمري «روما» و«بروكسيل»، كما ان باستطاعتنا العمل على عقد مؤتمرات أخرى. لكن المهم هو ان نعي أن طريقة العمل في السابق لا يمكن أن تستمر ويجب ان تتغير».
ولفت إلى أن «الصعوبات في عمليات تشكيل الحكومة أمر طبيعي خصوصا بعد فترة الانتخابات. وبالتأكيد أن كل القوى السياسية تريد أن تتمثل بالحجم الذي نالته، لكن علينا جميعا أن نحمي لبنان وبعدها نفكر بالأحجام. المهم هو لبنان والشاب والشابة في لبنان اللذان ينتظراننا لكي نشكل هذه الحكومة».
الخلاف مع جنبلاط
وقبل ترؤسه الاجتماع الأسبوعي لكتلة «المستقبل» أكّد الحريري ان الاتصالات لتأليف الحكومة مستمرة، نافياً ان يكون قد تخلى عن حقيبة الاتصالات لاعطائها «للقوات»، بحسب ما تردّد من معلومات، متسائلاً عمّا إذا كان سيتخلى أكثر مما فعل؟ كما نفى وجود خلاف بينه وبين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، معتبراً ما نشر في بعض الصحف، من أن الأخير رفض استقباله بأنه «غير صحيح»، عازياً سبب إلغاء موعد عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبو فاعور الذي كان مقرراً ان يلتقيه ظهر أمس، إلى انشغاله، متوقعاً ان يلتقيه بعد عودته من الرياض.
غير ان مصادر في «بيت الوسط» كشفت ان الحريري امتعض من المقال الذي ورد في إحدى الصحف، وانه كان ينتظر توضيحاً أو رداً من جنبلاط، ولما لم يأت هذا التوضيح أو الرد، أوعز بإلغاء موعد النائب أبو فاعور.
ووصفت أوساط الحريري المقال بأنه عبارة عن «ثرثرة لا مضمون ولا قيمة له»، وانه لم يطلب زيارة جنبلاط ما يُؤكّد صحة ما ورد في الصحيفة المذكورة.
ولاحقاً، غرد جنبلاط عبر حسابه على «تويتر» نافياً ان يكون قد رفض استقبال الحريري، موضحاً بأنه كان دائماً على تواصل معه هاتفياً أو عبر «الرفيق» أبو فاعور، كاشفاً بأنه حاول حتي آخر لحظة طرح بدائل للحقيبة الثانية التي هي مبدئياً ستكون من حصة «اللقاء الديمقراطي».
وكانت معلومات اشارت إلى ان جنبلاط مستاء، لأن الرئيس الحريري ترك تسمية الوزير الدرزي الثالث للرئيس عون، خلافاً للاتفاق بأن يتم الاختيار بالتفاهم بين الرؤساء الثلاثة، على الاسم الثالث من بين اللائحتين اللتين أودعتا لدى الرئيس عون من قبل جنبلاط ومن قبل النائب طلال أرسلان.
وقالت مصادر نيابية لـ«اللواء» ان العقدة الدرزية لا تزال موجودة، ما دام جنبلاط وارسلان لم يعلنا قبولهما باي اسم من الأسماء الـ11 المودعة في قصر بعبدا، علماً ان هذه العملية يفترض ان تتم في اللحظات الأخيرة، عند إسقاط الأسماء على الحقائب.
الذكرى الثانية
الى ذلك، نقل زوار الرئيس ميشال عون لـ«اللواء» عنه قوله ان «لن يرضى ان تمر الذكرى الثانية لانتخابة المصادفة في نهاية هذا الشهر من دون ان تكون الحكومة العتيدة قد تشكلت، وانه قدم التسهيلات اللازمة وعمل ما عليه، وتنازل عن منصب نائب رئيس الحكومة ولا يستطيع تقديم المزيد، وهو ينتظر نتائج الاتصالات التي يقوم بها الرئيس المكلف سعد الحريري».
واكد الرئيس عون امام زواره انه يرغب بشدة في ان تتمثل «القوات اللبنانية» في الحكومة وان لا مشكل لديه مع اي طرف، لكن المهم ان يتفقوا مع بعض.
ولمس الزوار في تقدير شخصي منهم ، «ان الرئيس عون لن ينتظركثيرا مزيدا من المماطلة والتأخير في تشكيل الحكومة وانه سيحدد موقفا في نهاية المطاف مما يجري».
وقالت مصادر مطلعة على موقف الرئيس عون انه لا يزال عند موقفه الداعي الى تشكيل الحكومة سريعا معلنة انه ينتظر حصيلة اتصالات الحريري وما بمكن ان يقدمه على هذا الصعيد. ولفتت الى ان الرئيس عون قدم كل التسهيلات المطلوبة فوافق على منح القوات نيابة رئاسة الحكومة ولم يمانع ان يتم رفع عدد وزراء القوات الى 4.
واوضحت المصادر ان رئيس الحكومة المكلف يتابع اتصالاته لتذليل العقد على ان الاكيد ان عون لا يتدخل في صلاحياته وهو ينتظر تركيبة الحكومة منه، متى اصبحت جاهزة. ورأت ان التواصل بينهما يتم عبر موفدين مشيرة الى ان المشكلتين المتبقيتين هما حقائب «القوات» وتمثيل السنة المستقلين.
واكدت ان «التيار الوطني» قدم ما طلب منه. ورأت مصادر اخرى ان ما من طرح تبلور حتى الساعة حول جعل تمثيل الوزير السني المستقل من حصة رئيس الجمهوريه مع العلم ان هذا الموضوع ليس عند الرئيس واساس حله لدى رئيس الحكومة.
واوضحت المصادر انه لم يعرف ما اذا كانت حقيبة العمل رست على «القوات» في الوقت الذي تنشط فيه الاتصالات بين الافرقاء بشأن المبادلة في الحقائب وكيفية التعويض على حقيبة خرجت من هنا واخرى من هناك. ولا تستغرب المصادر تجنب الافرقاء ان تكون حقيبة البيئة من حصتهم.
حقائب «القوات»
في هذا الوقت، نقلت «القوات» معركة الحصول على حقائب وازنة بها بدل حقيبة العدل التي ذهبت من حصة رئيس الجمهورية، إلى عين التينة، من خلال زيارة وزير الإعلام ملحم رياشي للرئيس نبيه برّي، مؤكداً له ان «القوات» لا تطالب بحقيبة معينة، ولا هي تمسكت بأخرى، ولا وضعت «فيتو» على استلام أي حزب حقيبة بعينها، بل الآخرون هم الذين عكفوا على هذه الممارسات، معلناً «رفضه الافتئات على «القوات» في حصتها أو في حجمها السياسي ووزنها الانتخابي والوزاري».
وإذ تكتم الرياشي عمّا تريد «القوات» من حقائب، لكن لا ينسب إليها ما لم تقله، اعتبر ان الحكومة ليست متوقفة عملياً، لأننا لسنا من يوقف الحكومة، وهذا ما ابلغته للرئيس برّي.
وتابع: المكيول يتسع للجميع، ومن يعرقل الحكومة هو من يريد تحجيم «القوات».
ومن جهتها، أكدت أوساط الرئيس برّي استعداده للمساعدة ولابداء المشورة إذا طلب منه ذلك.
لافتة إلى انه مقتنع بأن عقدة التشكيل داخلية وليست خارجية، وهو لم يقل يوماً أنها خارجية.
وعن تمثيل السنة المستقلين من خارج «المستقبل»، أوضحت هذه الأوساط انه ليس صحيحاً ان الرئيس برّي فاجأ الرئيس الحريري بالضغط في هذا الاتجاه، إذ ان موقفه واضح منذ اليوم الأوّل، بوجوب تمثيل هؤلاء، لكنه لم يقل بتوزير وزيرين بل وزير واحد يمثل سنة المعارضة.
وإذ نفت علمها بزيارة الحريري إلى عين التينة، قالت انه عندما يكون للرئيس الحريري شيء يريد عرضه على الرئيس برّي، بالتأكيد سيأتي.