بين الإضرابات المتتالية والاعتصامات المتنقلة، يحاول الأساتذة المتمرنون في التعليم الثانوي، والذين أنهوا بنجاح الدورة الإعدادية الإلزامية في كلية التربية-الجامعة اللبنانية، إسماع صوتهم إلى المسؤولين عن وضعهم المذري.
فهؤلاء توقفت رواتبهم منذ ثلاثة أشهر دون إنذار سابق ودون معرفة الأسباب... وعود كثيرة انهالت لمعالجة وضعهم خلال أيام، ابتداء من وزير التربية مروان حمادة وصولاً إلى رئيس الجمهورية ميشال عون مروراً بوزير المال علي حسن خليل ورئيس الوزراء سعد الحريري، وغيرهم الكثير من المسؤولين.
مشكلة الرواتب ليست المشكلة الوحيدة التي أعاقت حقوقهم، فالمادة الثامنة وفقاً للقانون الجديد لسلسلة الرتب والرواتب 46 الصادر في 1/8/2017 والتي تعطي أفراد الهيئة التعليمية من الفئة الثالثة ست درجات استثنائية مع احتفاظهم بحقهم بالقدم المؤهل للتدرج، لم تحسم بعد، ويخشى الأساتذة "المؤامرة" غير المعلنة المؤدية لحرمانهم من حقهم القانوني، والتحجج بالتفسير "السياسي" الذي أصدرته هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل دون الاخذ بالاعتبارات القانونية الواردة في المادة 46 او أخذ رأي مجلس الخدمة المدنية.
هذا ليس كل شيء، فبعد انطلاق العام الدراسي الحالي، لا يزال الأساتذة المتمرنون بانتظار صدور مرسوم إلحاقهم في ملاك وزارة التربية لتثبيت وضعهم القانوني والالتحاق رسمياً بمهامهم التعليمية وانتظام عملهم كأساتذة تعليم ثانوي.
وعلى الرغم من هذا كله، يسعى الأساتذة للتوفيق بين إصرارهم على نيل حقوقهم القانونية، والمثابرة باللحم الحي، ودون رواتب، على الاستمرار في مواصلة عملهم وعدم إعاقة العملية التعليمية ولو كان على حسابهم، إلا أن للصبر حدود حسب ما بدأ يلوح معظمهم.
برأيهم، وزير التربية لم تعد "التربية" محور اهتمامه وخاصة كلما اوشكت الحكومة العتيدة على الولادة، فهو وعدهم مراراً وتكراراً بالجلسات المغلقة والعلنية وأمام الوسائل الإعلامية بحل تلك المعضلة قريباً، حتى قال ذات مرة انها ستحل خلال ساعات.. والساعات لا تزال تمر طويلاً على أصحاب الشأن...
رئيس الوزراء سعد الحريري، حائر بين مراسيم الضرورة وتشريع الضرورة، غير عابئ بضرورة معالجة أوضاع إنسانية لعائلات لبنانية غرقت بالديون وازداد وضعها سوءًا ، وهي لا ترى ضرورة أكثر من تأمين قوتها اليومي.
اما رئيس مجلس النواب نبيه بري، وطبعاً معاونه وزير المال علي حسن خليل الى جانبه، يعتمدان "التخدير" بالوعود علاجاً فعالاً لإخماد ثورة "تربوية" تلوح في الأفق، وخاصة أن الشريحة الأوسع من المطالبين تأخذ من الإمام المغيب موسى الصدر مرجعية فكرية ومعنوية، وهو من أطلق "حركة المحرومين" لتصبح "أمل" الإنسان وكرامته.
بين المماطلة والتخدير وتقاذف المسؤوليات، يزداد وضع هذه الشريحة الواسعة من اللبنانيين سوءاً وظلماً. ولأن المظلوم لا يهدأ، فبكل تأكيد الظالم لن يهنأ، والأساتذة سيعلنونها ثورة لا تستكين.. وبحسب قول جان جاك روسو: "حين أرى الظلم في هذا العالم، أسلي نفسي بالتفكير في أن هناك جهنم تنتظر الظالمين".. إلا ان قرار الأساتذة المتمرنين اتخذ، وسيكون عبرة بحق كل من تطاول على حقوقهم وحقوق عائلاتهم، ولن ينتظروا عدالة روسو في جهنم إنما جهنم ستلاحقهم وتحاصرهم في حياتهم.
(أساتذة متمرنين في التعليم الثانوي).