إن كان عبء هذه الحقيبة كبير، دعها، لا تأخذها،
في طريقك الى قصر بعبدا توقف، خذ من فضلك هذه الحقيبة القديمة. حقيبة أحتفظت بها جدتي مئات السنين و طلبت مني قبل رحيلها الاخير ان أقدمها لك… خذها لا تخف، إفتحها وحدك في غرفة قصرك المخملي…
عذرا! على الحقيبة غبار قديم، ورائحتها أرزٌ خالد.
في الحقيبة فخامة الرئيس، “قلم رصاص” للرئيس بشاره الخوري رسم به،حالماً ،علم لبنان عندما اعتقله الفرنسيون في قلعة راشيا. بهذا القلم أستحلفُك أن توقّع إسمك على أوراق وعقود تحمي علم الاجداد.وإلا إرم القلم في غابة الارز التي تحمّلت مئات الجرائم بحقه.
في الحقيبة، فخامة الرئيس، قبعة عسكرية للرئيس فؤاد شهاب الذي قاد االجيش لمدة ثلاث عشرة سنة، قبل انتخابه رئيساً. إلبس هذه القبعة كل صباح ولدقيقة واحدة، سوف تزيُنك بالشرف وتدفعك للتضحية من أجل أطفال يكبرون تحت سماء زرقاء ويركضون نحو مستقبل أخضر، وإلا أرم هذه القبعة العسكرية على تراب مقابر الشهداء الذين دَفنوا معهم مئات الجرائم بحق دماءهم.
في الحقيبة، فخامة الرئيس، عصاة خشبية للبطريرك الياس الحويك، إستند البطريرك عليها في رحلته التاريخية مطالبا بلبنان الحر. لا تخف ان تتكئ عليها جَهاراً، فالكنيسة دائما على حق. وإلا إرم هذه العصاة في وادي قاديشا المقدس، حيثُ أتى الموارنة الى هذا الوادي رهباناً لا غزاةً.
في الحقيبة، فخامة الرئيس، “ريشةُ رسم” لجبران خليل جبران رسم بها لبنانه وليس لبنانهم. إرسم بها لوحات من أنهار نظيفة، وبيوت من قرميد، وساحات خضراء، إرسم بها كاهناً وشيخاً يطعمان طيور الربيع، إرسم بها برلماناً ليس إيراني وليس سعودي، برلماناً ليس حزبي او فئوي. إرسم بها برلماناً من اعمدة بعلبك، من بوابة قلعة صيدا البحرية، من وجه أخوت شناي، من فكر سعيد عقل، من ألحان الرحابنة. وإلا إرم هذه الريشة على أمواج شاطئ بحر جبيل، بحر الاحرف الابجدية، وانا على ثقة أن الريشة والاحرف لن يرحموا جبناء الوطن، جبناء ثمنهم عظام قبور الخونة.
في الحقيبة، فخامة الرئيس، كفاح الجنود، عرق الفلاحين، بكاء أمهات خطفوا ابناءهم، في الحقيبة قسم جبران تويني، في الحقيبة، ضميٌر ذهبي نحته التاريخ بإزميل الحرية والكرامة.
فخامة الرئيس، إن كان عبء هذه الحقيبة كبير، دعها، لا تأخذها، لا أريدُك أضحوكة لانّ هذه الحقيبة تفضح المستور. هذه الحقيبة تجلدُك بيديها إن أهملتها… دعها إن شئت، استمتع بالحكم والكرسي، لكن انتبه فمصقلة التاريخ تأتي لا محالة وعدالة السماء لا مفرّ منها. إن شئت دع هذه الحقيبة واستمتع كصغير بلعبة الحكم بينما أصدقاءك المقرّبون يستهزؤن بك سرّا، والشعب يلعنك علناً.
عذرا فخامة الرئيس على وقاحتي، فالحقيبة ثمينة والامانة مسؤولية. والان يا فخامة الرئيس، هل تريد أن تستلم مني هذه الحقيبة؟ هل تريدها في قصر بعبدا؟ لماذا انت صامت؟ القصر بدونها سيكون كهف مؤامرة وإرهاب على لبنان، خذها ولا تخف… فخامة الرئيس تكلم أرجوك…مهما يكن جوابك سأعتبره سرّ اعتراف.
(عدتُ الى بيتي الفقير، ورحل الرئيس الى قصره، وما زال الاطفال يكبرون ويركضون تحت سماء زرقاء على شاطئ بحر جبيل).
كتب الأب #فادي_روحانا