مفارقتان تحكمان المشهد الحكومي: الأولى، مناخ عام يُواظب فيه بعض أعضاء مطبخ التأليف على تجميل الصورة وضَخّ زخّات تفاؤلية وإيجابيات تُليّن العوائق والتعقيدات الماثلة في طريق الحكومة، وتنزع عنها صفة الاستعصاء، وتجعلها من النوع القابل للحل، وتوحي، بناء على ذلك، بأنّ الحكومة صارت على وشك أن تخرج من العتمة الى النور. والثانية، سَعي حثيث على خط المشاورات الجارية للعثور على منفذ تعبر منه الى ترجمة المناخ الايجابي، وتبديد التعقيدات التي ما زالت توحي بأنّ دخول الحكومة الى غرفة الولادة لم يَحن أوانه بعد.

وسط هذه الاجواء، برز أمس استقبال قداسة البابا فرنسيس في الكرسي الرسولي في الفاتيكان، للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وتناول اللقاء الأوضاع في لبنان والشرق الاوسط والتحديات الراهنة التي تواجه الكنائس والمسيحيين، إضافة الى مواضيع كنسية أخرى. واكتفت مصادر بكركي بالتأكيد لـ«الجمهورية» انّ اللقاء كان ممتازاً، وأنّ قداسة البابا عبّر عن محبته للبنان، وأنه يصلّي من أجله».

صراع مُحتدم
حكوميّاً، الواضح في هاتين المفارقتين انّ ثمّة صراعاً محتدماً يدور بين ضفتَي التفاؤل والتشاؤم، ولبنان يقع في نقطة الوسط، تتجاذبه هبّات ساخنة وباردة متتالية، بحيث لم يعد يعرف معها على أيّ «مخدة» حكومية سينام، هل على «مخدة» حكومة جديدة تأخذ على عاتقها مواجهة الضرورات الملحّة والأزمات المتوالدة على كل الصعد والمستويات؟ أم على مخدة حكومة تصريف الاعمال التي تُبقي البلد مثلها عاجزاً لا حول له ولا قوة، وتتفاقم في ظلها صرخة الاقتصاد الذي يحتضر والاهتراء في كل القطاعات؟ وفي ظل هاتين المفارقتين، فرضَت التطورات الاقليمية والدولية المتسارعة، ربطاً بقضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي، على لبنان أن يقف على خط الرصد لِما ستؤول إليه هذه التطورات وتداعياتها المحتملة.

تفاؤل!
على انّ اللافت للانتباه في هذه الاجواء، هو انّ كفّة التفاؤل بقرب ولادة الحكومة بَدت راجحة بعض الشيء في الساعات الماضية، وفي هذا السياق رصدت «الجمهورية» إشارات تعزز هذه الاجواء:

- انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي يتابع مسار تأليف الحكومة بشكل حثيث، ألقى في مطبخ التأليف تأكيدات متجددة على وجوب الاسراع بتشكيل الحكومة، مشدداً على انّ الظروف الراهنة تفرض ذلك وتوجِب تقديم المصلحة الوطنية العليا على ما عداها. مع التشديد أيضاً على ضرورة تذليل العقبات التي تحول دون ولادة الحكومة، خصوصاً انّ مواقف الاطراف باتت واضحة والجميع على ذات الموقف الساعي لتأليف الحكومة سريعاً وبلا أي تأخير إضافي. 

- انّ الرئيس عون، وبحسب معلومات «الجمهورية»، ينتظر جهوزية الرئيس المكلّف سعد الحريري ليحمل إليه المسودة النهائية للتشكيلة الحكومية، مع التأكيد على انّ الموقف من حقيبة العدل محسوم منذ البداية، والتمثيل فيها سيبقى لرئيس الجمهورية الذي سيسندها الى الوزير الحالي سليم جريصاتي. مع الاشارة هنا الى انّ زيارة الرئيس المكلف الى القصر الجمهوري ربما تتم خلال الساعات المقبلة اذا ما انتهت الاتصالات التي يجريها، وتحديداً مع «القوات اللبنانية» وكذلك حول مسألة تمثيل نواب سنّة «8 آذار»، الى خواتيم إيجابية.

لا عودة الى الوراء
- انّ الرئيس المكلف، الذي أكد انّ تشكيل الحكومة ليس أمراً مستحيلاً والعقد قابلة للحل، يتصرّف على أنه على وشك ان يتجاوز المربّع الاخير الذي بلغته مشاوراته، وكما يؤكد مقرّبون منه لـ«الجمهورية»، أنه حاسم في توليد حكومته خلال الايام المقبلة، وفي فترة لا تتجاوز نهاية الشهر الجاري، ولا عودة الى الوراء، إذ آن الأوان لولادة الحكومة كي تأخذ دورها في مواجهة التحديات، وفي مقدمها التحدي الاقتصادي الذي بلغ مستويات دقيقة.

الصناعة والتربية
- انّ تمثيل «الحزب التقدمي الاشتراكي» حسم بشكل نهائي بوزيرين درزيين ولحقيبتي الصناعة، والتربية التي أكّدت مصادر الحزب لـ«الجمهورية» انه يرفض التخلّي عنها لأيّ طرف سياسي، سواء أكان حزب «القوات» او غيره، ذلك انّ هذه الحقيبة ليست حقيبة لحزب، بقدر ما هي حقيبة لطائفة.
- انّ وزارة الاشغال حسمت بشكل نهائي من حصة تيار «المردة»، مع الاشارة هنا الى انّ بعض الطبّاخين الاساسيين للحكومة كشفوا انّ الليونة التي أبداها رئيس الجمهورية حيال إسناد وزارة العدل الى «القوات» مردّها الى افتراض انّ وزارة الاشغال ستكون من حصة فريقه، ولكن بعد حسم الاشغال لـ«المردة»، تمّ التراجع عن الليونة وبالتالي الاصرار على التمسّك بوزارة العدل من ضمن حصة رئيس الجمهورية.

«القوات»
- انّ موضوع تمثيل حزب «القوات اللبنانية» أصبح في مرحلة متقدمة من البحث في شأنه مع الرئيس المكلف، في ظل حديث عن ليونة قواتيّة حيال الافكار التي تطرح عليها، وعلم انّ هناك عدة أفكار يُتداول بها لجهة ما هي حصّة «القوات» ونوعية الحقائب بعد الحسم النهائي لإبقاء حقيبة العدل من حصة رئيس الجمهورية. وعُلم في هذا السياق انّ التقدم يبدو حثيثاً لجهة إبقاء حصة القوات على 4 وزراء بينهم نائب رئيس الحكومة بلا حقيبة، مع حقائب العمل والثقافة والشؤون الاجتماعية. 

واللافت على هذا الخط، هو اللقاءات المتتالية على خط بيت الوسط - معراب، حيث سجّل أمس لقاء جديد بين الرئيس المكلف ووفد «القوات» الذي ضَمّ وزير الاعلام ملحم الرياشي ومدير مكتب الدكتور سمير جعجع ايلي براغيد. وبعد اللقاء، إكتفى الرياشي بالقول «انّ هناك تقدماً في التفاوض، ونحن مرتاحون للأجواء...». فيما قال براغيد: «قدّمنا كتاباً الى الرئيس الحريري يتضمّن تصوراً حكومياً بانتظار الرد عليه».

وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»: الأمور متقدمة، جرى بحث مزيد من الافكار، وحتى الآن لا نستطيع ان نتكلم عن أمور نهائية، في انتظار مزيد من الاتصالات لإنضاجها وبلورتها وحسمها. وبالتالي، كان اللقاء جيداً، هناك أفكار طرحت، وفي حال تمّ التوافق عليها يمكن القول انّ الامور سلكت طريقها نحو الحل. وطبعاً، هذا يتوقّف على ما إذا كان هناك تجاوب مع هذه الأفكار.

وكانت مصادر «القوات» قد قالت لـ«الجمهورية» قبل اللقاء: ما يحصل هو تكثيف المفاوضات على خط معراب - بيت الوسط، بعد لقاء السبت بين الرئيس الحريري والدكتور جعجع، ولقاء أمس الاول بين الحريري والرياشي موفداً من رئيس الحزب، ولقاء الأمس بين الحريري والرياشي ومدير مكتب الدكتور جعجع ايلي براغيد... كلّ ذلك يؤشّر الى انّ المفاوضات بلغت مرحلة متقدمة، وانّ الامور أصبحت تتطلّب البحث في التفاصيل ومتابعة التفاصيل، لأنه عندما يوفِد جعجع مدير مكتبه الى جانب الرياشي، فذلك يعني انّ الامور دخلت حيّز اتخاذ القرار.

أضافت المصادر: خلاصة الصورة حتى الآن، انه تمّ تشخيص كل العقدة، وأصبح البحث في المخرج إمّا تثبيت وزارة العدل لـ«القوات»، وإمّا تبديلها بما يوازيها أهمية، حيث انّ «القوات» أكدت من اللحظة الاولى انها لا تتمسّك بأيّ حقيبة، بل هي تتمسّك بأمر واحد وهو تمثيلها الوزاري الوازِن على مستوى الحكومة. وايضاً كانت «القوات» قد أبدَت حرصها على العلاقة مع رئيس الجمهورية. وانطلاقاً من كل هذه الثوابت والامور، يتم التواصل والتفاوض بشكل مكثّف.

وتابعت: هناك أفكار عدة على هذا المستوى يتم بحثها، في محاولة للخروج من المأزق القائم ووضع خريطة طريق للحلول المرجوّة. واذا سارت الامور بالشكل الصحيح والمطلوب، ولم تدخل أي عراقيل من هنا او هناك، وكانت هناك نيّات إيجابية نحو التأليف، نستطيع القول انّ الامور تقدمت ويمكن ان تَتكلّل بالنجاح المطلوب. 

وقالت المصادر: لا يمكن ان نعلن أي شيء حالياً، لأنّ الامور مرهونة بخواتيمها. ونفضّل عدم إعلان أي شيء أو تأكيده، بل فقط كل ما نؤكده على هذا المستوى أنّ الامور تقدمت، على أمل أن تتكلل بالنجاح. لأنه، وكما هو معروف، إنّ الشياطين تكمن في التفاصيل، وعلى أمل انّ التفاصيل على غرار العناوين والمبادىء العامة، تؤدي الغرض المطلوب بأن تنجز الأمور بالشكل الذي يتمنّاه الجميع، من أجل الانتقال الى مرحلة العمل. وأساساً، الرئيس المكلف يعمل على أكثر من خط من أجل تذليل العقد من أمام التأليف، وخصوصاً العقد الاخيرة، والذهاب نحو تأليف الحكومة.

«سنّة 8 آذار»
وفي السياق، تبقى عقدة تمثيل النواب السنّة في اللقاء التشاوري (سنّة 8 آذار) على بساط البحث، ولا شيء محسوماً يمكن القول معه انّ هذه العقدة تمّ تجاوزها، وسط حديث متصاعد عن مخرج لتسوية هذه العقدة، ويتمثّل بتوزير أحد هؤلاء النواب (فيصل كرامي) من حصّة رئيس الجمهورية. ولكن لا شيء محسوماً حتى الآن. واللافت في هذا السياق انّ الحريري عاد وأكّد أمس رفضه توزير هؤلاء النواب، حين قال في دردشة مع الاعلاميين: «أفهم أنّ حزباً كبيراً يطلب التَمثّل في الحكومة، ولكن لا أفهم تشيكل كتلة لنحصل على وزير».

وكشف مطّلعون على جو الاتصالات الجارية في هذا الشأن انّه لَو خُيّرَ الحريري بين توزير أحد نواب اللقاء التشاوري وأحد النواب السنّة الآخرين خارج تيار «المستقبل»، لَقَبل فقط بتوزير شخص مقرّب من الرئيس نجيب ميقاتي.

«حزب الله»
وإذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد أكد انّ من حق هؤلاء النواب ان يتمثّلوا في الحكومة، لوحِظ انّ «حزب الله» لا يدخل علناً في معركة توزير «سنّة 8 آذار»، بل يعتمد طريق المعركة الهادئة داخل غرَف مطبخ التأليف، وذلك انطلاقاً من التزامه مع هؤلاء النواب بضرورة تمثيلهم في الحكومة، وهو ما سَبق وطرحَه، خصوصاً في بداية مشاورات التأليف، مع رئيس الجمهورية وايضاً مع الرئيس المكلّف. 

وآثرت أوساط «الحزب» عدم الدخول في تفاصيل اضافية، ولا التعليق المباشر على ما قاله رئيس الحكومة، الّا انها اكتفت بالقول لـ«الجمهورية»: حكومة الوحدة الوطنية تعني إشراك الجميع فيها، وإشراك الجميع يعني إشراك هؤلاء النواب الذين يشكلون كتلة من 6 نواب، ولهم حيثيّاتهم ويمثّلون شريحة شعبية واسعة، لا يجوز تجاهلها أو تجاوزها.

وكان «اللقاء التشاوري للنواب السنّة المستقلين»، قد رد على الحريري، في بيان أمس، أكد فيه «اننا نواب نُمثّل الطائفة وشرائح وطنية واسعة من الشعب اللبناني، وانّ الخفّة في كَيل الإهانات لنا هي إهانة للطائفة ولِمَن نُمثّل»