لم يُبنَ الاجتماع العربي على فكرة العقد الاجتماعي إلى الآن , بل بُني على فكرة الإصطفاء الإلهي , هذه الفكرة التي نشبه بها الإجتماع اليهودي الذي أسس لفكرة الإصطفاء الإلهي , ومارسها وما زال يعتبر أن الإجتماع اليهودي هو إصطفاء إلهي , لذلك هو أقرب إلى الله حسب زعمهم , هذه الفكرة قد إستُبعدت في الفكر الغربي بداية عصر الأنوار الذي فكّك بين الكنيسة والإجتماع , واعتبر أن المرجعية للإجماع هو العقد الإجتماعي وليس الله ولا الكتب السماوية , لذلك تم بناء إجتماعهم على فكرة حماية المصالح الإنسانية من خلال العقد الإجتماعي .
هذا هو الفرق بين الإجتماع العربي الإسلامي الذي يُشبه الإجتماع اليهودي من هذه الحيثية , وبين الإجتماع الغربي الأوروبي من جهة أخرى , حيث أن الإجتماعين اليهودي والعربي الإسلامي , يعتبران أن بنيانهم يعتمد على الإصطفاء الإلهي , وأن مرجعهم الأساسي في التنظيم الإجتماعي هو الدين .
هذا التوصيف يدخلنا في بحث موضوع تبرير الجريمة في هذه المجتمعات , ولماذا تكون الجريمة مبرّرة , بل في بعض الأحيان تكون الجريمة عملاً مُقرّبا لله , وهذا ما فعله اليهود تاريخياً وما زال الإجتماع اليهودي مستعداً لإرتكاب القتل والتشريد للآخر المختلف , لأنه يعتبر نفسه فوق باقي البشر الذين لم يصطفهم الله , ولم يجعلهم خيراً من الآخرين .
إقرأ أيضا : الخاشقجي.. في عداد شهداء الفكر والرأي أم في قائمة المُغيّبين؟
الإجتماع العربي الإسلامي قد إنقسم إلى مذاهب وفرق , وكل فرقة حملت معها تلك الفكرة , وبنت إجتماعها على أساسها , لذلك كل مذهب أو فرقة تعتبر نفسها مصطفاة من الله , وتعتبر الآخرين دون ذلك , هنا تعرف سبب تبرير الجريمة عند المذاهب , أو عدم تبريرها , بمعنى أنه يحق لي أن أقتل لأنني على حق حسب زعمي , والآخر لا يحق له ذلك , وقضية الصحافي جمال خاشقجي واحدة من الأدلة على هذا التبرير أو على فكرة الإصطفاء التي ذكرناها , لقد قامت القيامة على فعل جريمة ( وهي مدانة بكل المقاييس على كل حال ) من طرف قد فعل مثلها وأكثر , فلماذا يصح هنا ولا يصح هناك ؟؟!
مع أن للجريمة توصيفاً واحداً أينما كان , بناء على القاعدة العقلية التي تقول أن قبح الظلم ذاتي لا ينفك عنه أينما وقع , وحسن العدل ذاتي لا ينفك عنه أينما وقع .