أيام تفصلنا عن موعد بدء العقوبات المتشددة على إيران، والتي من المفترض كما هو معلن أن تنطلق بعد أقل من أسبوعين في 4 تشرين الثاني المقبل، وما قيل عن طبيعة هذه العقوبات وتردداتها الخطيرة جداً على النظام الإيراني أولاً وعلى المنطقة بشكل عام ثانياً وعلى لبنان بالأخص.
الملفت في هذه المرحلة أن الحديث عن حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي المدانة حتماً، هي وحدها تخطف الأضواء والشاشات وحتى أحاديث المقاهي وجلسات البيوت، لدرجة أن خبر نقلته شبكة فوكس نيوز، تتحدث فيه عن مصادر إستخباراتية أميركية وغربية تتهم فيها إيران بنقل سلاح نوعي من ضمنها أنظمة تحديد المواقع «جي بي إس» لتحويل الصواريخ غير الموجهة إلى أخرى موجهة بدقة، لم يأخذ حيزاً يُذكر في الإعلام المحلي ولم يحرّك وزير خارجيتنا لنفي الموضوع كما حصل مع اتهامات نتنياهو بالأمم المتحدة، خاصة أن المصادر الإستخباراتية المذكورة تؤكد أن عملية النقل كانت عبر مطار بيروت هي الأخرى.
إقرأ أيضًا: الخاشقجي في الضاحية
فالوقت الآن ليس هو وقت رفع السقوف في وجه الإدارة الأميركية ولا في وجه الرئيس دونالد ترامب المشغول باستغلال قضية الخاشقجي وابتزاز النظام السعودي، ولا مجال الآن لإزعاج أبو علي ترامب الذي تحوّل على صفحات الممانعين لرئيس يعرف تماماً ماذا يفعل وماذا يخطط فهو الشاطر الذي يعي كيف يستغل أخطاء الآخرين (والشاطر ما يموت).
فكل ما يحضّر لإيران وللمنطقة ولبنان بالدوائر المخابراتية الأميركية، هو أمر مسكوت عنه حتى يكاد يظن المراقب بأنه أمر يصل إلى خانة المقبولية عند أصحاب الشأن، طالما أن الشر الأميركي المستطير يوزع هذه المرة التوازن والإعتدال بين الخصمين اللدودين (إيران - السعودية).
إقرأ أيضًا: نصرالله يمدح السعودية!
فلو عدنا شهر إلى الوراء، حين كانت إيران والعقوبات والإتفاق النووي والخروج من سوريا، هو الخبر رقم واحد في الإعلام العالمي ولا شيء سوى العداء الإيراني الترمبي، وكان الحديث يومها عن نجاح السعودية الباهر في شراء العداء الأميركي لإيران، حتى راح بعضهم أبعد من ذلك بكثير للقول بأن أميركا تلعب دور الموظف المؤتمر بالأوامر السعودية وأن ترامب يتحرك وفق طلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وأمواله.
فإذا كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كان يتصرف بالعدل بين الضرتين ويوزع حنانه وعطفه بالعدل بينهما فاستفادت إيران في تلك الفترة من الغرام الأوبامي، فإن التوازن و "العدل" الترامبي يفرض عليه توزيع غضبه المتوازن بينهما أيضاً إنطلاقاً من إستغلال مقتل خاشقجي، وهو بحاجة قبيل الإنتخابات النصفية المرتقبة إلى العودة لهذا التوازن ولو أن فترته لن تدوم أكثر من موعد العقوبات المنتظرة، فيعود حينئذ من أبو علي ترامب إلى الشيطان الأكبر...
والخاسر الأكبر في كلا الحالتين هم نحن فقط.