يبدو ان تعقيدات اللحظة الاخيرة التي حالت دون اعلان تشكيل الحكومة تحمل طابعا سياسيا اكثر مما هو طابع اجرائي او شكلي، يتمثل في تنامي الخلاف بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» حول إثبات الوجود داخل مؤسسات الدولة ما يعني حول إدارة الدولة، وإلامَ المعنى والهدف من وراء تمسك كل منهما بحقائب معينة بذاتها وعدم التضحية بأي حقيبة «دسمة» خدماتية او اساسية ورفض الحقائب العادية او التي تعتبر غير فعالة شعبويا واداريا وخدماتيا، مع ان موقع الوزير دستوريا وسياسيا وإجرائيا في اي حقيبة كان، حتى لو حقيبة دولة، يعطيه قيمة سياسية نسبة الى صوته والى امكانية اعتراضه او قبوله بأمر ما او مشروع ما.
هذا الامر يدل في نهاية المطاف على ان «القوات» لا يمكن ان تقاطع الحكومة وتذهب الى المعارضة برغم قدرتها على ذلك، لأنه ليس من مصلحتها الخروج من نعيم جنة الحكم بعدما ذاقت ملذاتها، ولعل الرئيس المكلف يدرك هذا الامر، ولهذا السبب تفيد المعلومات أنه باشر اتصالاته من مساء يوم الجمعة الماضي للبحث- وبالتعاون مع رئيس «القوات» سمير جعجع- عن بدائل وازنة ومرضية لحقيبة العدل، التي تؤكد المعلومات منذ اليوم الاول لمفاوضات التشكيل انها ذاهبة لرئيس الجمهورية وإن ذلك مثبت في التشكيلة الاولى التي اقترحها الحريري، الى جانب وزارة الصحة لـ «حزب الله» والاشغال لـ«المردة» والطاقة والمياه للتيار، والشؤون الاجتماعية والثقافة للقوات وحقيبة ثالثة تراوحت وقتها التقديرات ان تكون بين التربية والعمل الى جانب منصب نائب رئيس الحكومة، والتربية والصناعة للحزب التقدمي الاشتراكي، عدا الحقائب السيادية المتفق عليها مسبقا ايضا.
ومعلوم ان التيار الحر اعترض وقتها على حصة «القوات» واراد تخفيضها حجما ونوعا، فجوبه برفض من «القوات» التي سرعان ما رفعت سقفها من قبيل التحدي واثبات الوجود وطالبت بحقائب اخرى مهمة مثل الاشغال، فتعقَّد المشهد الحكومي اكثر.ما دفع اوساط التيار الى الاعتقاد ان القوات تبحث عبر تصعيدها وتشددها الى ايجاد المبرر للخروج من الحكومة الى المعارضة للعهد.
وبالمقابل، قالت مصادر «القوات»: انه يجب البحث عن بدائل لحقيبة العدل، والأمور غير مقفلة. وبين حصص التيار الوطني الحر والرئيس عون هناك وزارات الخارجية والعدل والدفاع والطاقة ووزارات أخرى... وبالتالي، يجب التفكير بالبدائل المتاحة، الا ان «التيار الحر» يرفض منح «القوات» اية حقيبة من حصته.
وأكدت مصادر «القوات» انها جزء أساسي من التسوية الرئاسية والسياسية، وجزء أساسي من التركيبة السياسية، ولا أحد يستطيع تخطينا أو تجاوزنا، ولن تتألف حكومة من دوننا ووفق حجمنا التمثيلي السياسي والشعبي، لذلك المفاوضات مستمرة بحثاً عن البدائل.
وفي مستجدات التعقيد الحكومي التسريبات من قبل بعض الاطراف الداخلية بالقاء المسؤولية في تأخير تشكيل الحكومة على «حزب الله» وحلفائه، خاصة لجهة التمسك بحقيبة الصحة لشخص حزبي، وتمثيل النواب السنة المستقلين، بينما الحريري يرفض توزير احدهم لأسباب تخصه لكن تردد انه سبق وطرح التوافق مع الرئيس نجيب ميقاتي على تسمية شخصية سنية من خارج حلفاء الحزب.
لكن مقربين من الحزب يؤكدون ان تسمية وزير من السنة المستقلين كانت مطروحة من بداية المفاوضات، لكنها تأجلت الى حين معالجة المشكلة الاكبر وهي التمثيل المسيحي والاشتراكي، وهذا ما عمل عليه الرئيس الحريري، فتم حل موضوع التمثيل الدرزي بإرضاء جنبلاط عبر التسوية المعروفة، ولكن بقيت ازمة تمثيل «القوات» هي العقدة الاصعب والاعقد نظرا للسقف العالي لمطالبها ومواقفها.وبالتالي المشكلة ليست لا عند «حزب الله» ولا عند الرئيس عون بتمثيل السنة المستقلين، إذ انه سبق وطرح منذ بداية مفاوضات التشكيل قبل خمسة اشهر تسمية سني من حصة رئيس الجمهورية، فلمَ الاستغراب والقاء المسؤوليات الآن؟