يكفي أن نُرجع عقارب الساعة الى الوراء، لنُدرك أن الصحف اللبنانية الورقية صدّرت الحرية والثقافة، فأصبحت وما زالت نموذجاً لحرية الرأي. لقد هزَّت الصحف اللبنانية أنظمةً بكاملها وأقلقتْ العديد من السياسيين. وكان لها دورٌ فعَّال في معركة الاستقلال، اذ ان الصحف اللبنانية، في تلك المرحلة، شاركت في صناعة الاستقلال. كما اضطلعت بدور هام ومصيري، خلال الأحداث التي اندلعَت في سبعينات القرن الماضي وحتى تاريخه.
وبيروت، ليست أم الشرائع فحسب، بل أمّ الصحف العربية السياسية، التي امتزجت في شوارعها رائحة التضحيات والدماء مع القلم الحر من اجل كلمة الحق؛ فأضحى القلم سيفاً، يدافع عن الوطن والوطنية والمواطنية؛ وينادي بالإصلاحات والتحرير والمقاومة والاستقامة والعدالة، بالرغم من الاضطهاد الفكري الذي تحمّله أهل الصحافة.
في الآونة الاخيرة، دخلت "الجريدة" في تنافس فرضه التطور التكنولوجي والإنترنت من مواقع إلكترونية وتطبيقات اجتماعية التي سيطرت على شبابنا واطفالنا ونفوسنا، مما أدخلها في تحديات جمّة وأزمات مالية سياسية، منتظرة الانعاش او الاحتضار حتى الموت لتدخل صفحات التاريخ متحولة الى مجرد ذكرى... بالأمس، السفير والانوار... واليوم "النهار" البيضاء...
هل بدأنا نأخذ صوراً تذكاريةً وداعيةً، لرجلٍ يجلس في أحد المقاهي المعتقة، يحمل في يده فنجانَ قهوةٍ تتصاعدُ منه رائحة زكية، يرتَشفُ منه القليل، ومن الصحيفة التي يُقلِّبها في يده الاخرى، يرتشف الكثيرَ الكثير مما سنفقده، إذا لم يُحرّك أحدهم ساكناً؟
(كلير فؤاد كفروني)