منذ أكثر من أربع سنوات ينتظر حوالي ثلاثة آلاف شاب لبناني من مختلف الطوائف نتائج امتحاناتهم التي تقدموا بها للدخول إلى مديرية الجمارك. انتظار يترافق مع وعود متكرّرة بالإعلان عن أسماء الناجحين في وقت قريب، لكن هذا الموعد لم يحن بعد والشباب يدعون بشكل دوري لاعتصامات في وسط بيروت، وبدأوا فعلا اعتصاما مفتوحا قبل يومين رافعين صوتهم للمطالبة بحقّهم وهو «الحصول على النتائج وإبعاد الطائفية عن حسابات المسؤولين أو إلغاء الدورة».
«دورة خفراء الجمارك - 2014»، هذه ليست إلا نموذجا عن امتحانات عدّة لوظائف في المؤسسات الرسمية تقدّم لها شباب من لبنان من دون أن توقّع مراسيم تعيينهم لسبب أساسي يرتبط بالمحاصصة الطائفية وحجّة عدم تأمين التوازن الطائفي، وهي الحسابات التي تخالف الدستور وبدأت تتحوّل إلى أعراف يتمسّك بها الأحزاب والمسؤولون.
وأبرز هذه الوظائف، إضافة إلى الجمارك، حرّاس الأحراج، والناجحون في المديرية العامة للطيران المدني ودبلوماسيون من الفئة الثالثة لصالح وزارة الخارجية، علما بأن امتحانات الجمارك تقدّم عبر المديرية العام للجمارك بينما الوظائف الأخرى تقدّم عبر مجلس الخدمة المدنية الذي يفترض أن يكون الجهة الرسمية الوحيدة المخوّلة إجراء الامتحانات للتوظيف في الإدارات الرسمية، وهو الأمر الذي بات خارج السيطرة بعد اعتماد المسؤولين ومنذ سنوات، وخاصة منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، على مبدأ التعاقد الوظيفي معتمدين على الوساطات والمحسوبيات، ومخالفين بذلك قرار الحكومة بمنع التوظيف.
يقول أحد المتقدمين إلى الجمارك والمعتصمين في وسط بيروت لـ«الشرق الأوسط» متحفظا على الكشف عن اسمه: «كل جهة ترمي المسؤولية إلى أخرى، بين المديرية العامة للجمارك ووزارة المالية وغيرها، فيما تأكّد لنا أن السبب الرئيسي لعدم إعلان نتائج دورة 2014 هو نجاح 170 شابا مسيحيا فقط في حين أن الشغور في الجمارك هو 853 عنصرا، وبالتالي فان هناك بعض المسؤولين يرفضون السير بهذا العدد بحجة عدم التوازن الطائفي الذي يعتبرون أنه يجب أن يكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ما قد يؤدي إلى تعيين راسبين لإرساء المحاصصة».
في موازاة ذلك، وفي حين يفترض أن تصدر مراسيم الناجحين في امتحانات الجمارك وغيرها لملء الشغور في المؤسسات بمن يستحق هذه الوظائف، يعتمد المسؤولون سياسة التعاقد بعيدا عن أي معايير، بحيث وصل عدد المتعاقدين في الإدارات الرسمية في السنة الأخيرة 5 آلاف شخص. وهذه القضية، دفعت لجنة المال والموازنة إلى توجيه كتاب إلى التفتيش المركزي، طلبت فيه تزويدها بلوائح لكامل الوظائف الجديدة في الوزارات والإدارات الرسمية، لمساءلة الوزراء المختصين بشأنها. والحجة نفسها التي يقف خلفها عدم توقيع المراسيم تعتمد أيضا في هذه التوظيفات التي تتم بالتوافق فيما بين الوزراء أو المعنيين بما يتناسب مع المحاصصة الطائفية.
وهذا الأمر يشير إليه الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، لافتا إلى أن «حجّة التوازن الطائفي والمحاصصة هي التي تحول دون التوقيع على مراسيم هذه الوظائف، وهو أمر مخالف للدستور الذي ينص فقط على أن تكون الوظائف الأولى في الدولة مناصفة بين الطوائف، بينما الوظائف الأخرى يفترض أن تكون وفق معيار الكفاءة، وهو ما لا يحصل».
وأمام هذا الواقع الذي يحول دون تعيين الكفاءات، ومن جهة أخرى يجري التوظيف العشوائي بعيدا عن المعايير، يلفت شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذه الفوضى تعيق إمكانية الحصول على عدد واضح لموظفي القطاع العام حتى من قبل بعض المؤسسات الرسمية المعنية نفسها، مشيرا إلى أنه «خلال سنة واحدة تم توظيف 5 آلاف شخص لأسباب سياسية وطائفية وانتخابية تدفع لهم الرواتب لغير حاجتها، ما يرفع كلفة رواتب القطاع العام إلى 65 في المائة من دخل الدولة».
ويضيف: «إذا كان عدد هؤلاء معروفا فإن توظيفات أخرى تحصل بعيدا عن الرقابة أو حتى القدرة على تحديد عددها، كتلك التي تتم عبر البلديات، كأن يقوم رئيس بلدية بتوظيف عدد من الأشخاص الذين يحصلون على رواتبهم من البلدية في وقت يفترض أن يتقدموا بامتحانات عبر مجلس الخدمة المدنية». ويوضح: «بدل أن تستفيد البلدية من إيرادات الجبايات والصندوق البلدي والهواتف الجوالة على تحسين البنى التحتية والطرقات وغيرها، توظّفها في دفع رواتب لتعيينات عشوائية».