فجأة تغير المشهد، وتحول الافراط في التشاؤم بإمكان ولادة الحكومة إلى إفراط في التفاؤل بدءاً من رئيس الجمهورية الذي أعلن أمس، أو نقل عنه إن الحكومة أصبحت على قاب قوسين أو أدنى مروراً برئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال إلى أوساط الرئيس المكلف سعد الحريري، وصولا إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي شكل طوال الأشهر الماضية إحدى العقبات التي تؤخّر الولادة، فما هو سر هذا التبدل المفاجئ من الإفراط في التشاؤم إلى الإفراط في التفاؤل، هل هو ناتج عن الاجتماع الذي عقد في أرمينيا بين رئيس الجمهورية وبين الرئيس الفرنسي ماكرون، أم هو نتيجة الاجتماع الطويل الذي انعقد مؤخراً بين أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله والوزير باسيل، أم أن هناك ثمة إيعازاً دولياً بضرورة إنهاء هذه الأزمة التي باتت تشكّل عبئاً على التسويات التي تطبخ بعناية فائقة لمنطقة الشرق الأوسط بدءاً بسوريا وصولاً إلى العراق فاليمن.
لا أحد يستطيع أن يجيب على كل هذه الأسئلة اجابة مقنعة فيما عدا ما سربته بعض المصادر إلى وسائل الاعلام الداخلية من أن كلمة السر هي عند السيّد حسن نصر الله سلمها إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي كان يُشكّل العائق الأساسي أمام ولادة الحكومة، ومفاد هذه الكلمة ان المتغيّرات المتسارعة التي تمر بها المنطقة تستوجب الإسراع في تشكيل الحكومة وطي هذا الملف قبل أن تجتاح المتغيرات لبنان.
لكن هذا الافراط في التفاؤل الذي يبديه رئيس الجمهورية لا تعكسه المواقف التي صدرت عن القوات اللبنانية ولا سيما عن نائب رئيس الهيئة التنفيذية النائب جورج عدوان بقدر ما تترك انطباعاً عاماً بأن الأمور ما زالت عالقة، وما زالت بحاجة إلى بعض الوقت حتى تنقشع الغيوم من حول التسوية المقترحة من الرئيس المكلف والتي تقوم كما سرب إلى وسائل الإعلام على قاعدة اعطاء القوات اللبنانية كل ما تطالب به في الحكومة العتيدة، أي أربع حقائب وزارية بينها نيابة رئاسة رئيس مجلس الوزراء من دون حقيبة.
لكن المواقف التي أطلقها عدوان رداً على الافراط في التفاؤل بقرب ولادة الحكومة تؤشر إلى أوهام وهو أنه لم يبت حتى الآن، بصورة نهائية بهذا الأمر وبالتالي وما زالت عقدة القوات على حالها، فهل أن هذا الأمر مقصود من قبل الذين «يركّبون» الحكومة لإخراج القوات، بعدما نجحوا في عزلها بعد إقناع جنبلاط بالتنازل لمصلحة العهد من دون التنسيق معها، كما هو مفروض.
عندما نسمع النائب عدوان يأخذ على الوزير السابق وليد جنبلاط انه أخطأ في التكتيك عندما قبل بالتنازل عن الوزير الدرزي الثالث فهذا معناه ان القوات تأخذ عليه أنه تخلى عن تحالفه معها في جبهة واحدة، ضد جبهة الوزير باسيل وانحاز إلى حزب الله الذي يهمّه ان تبصر الحكومة النور في أسرع وقت ممكن حتى تشكّل له حصانة شرعية في وجه الضغوط المنتظر أن يتعرّض لها من الولايات المتحدة الأميركية اعتباراً من الشهر المقبل .
بكل الأحوال، ومهما صحت أو أخطأت التحليلات فإن الأمور تسير في اتجاه إخراج القوات من حكومة الوحدة الوطنية، أو قبولها بالاذعان إلى إرادة حزب الله.