وحيدة استمرّت القوات اللبنانية في "قتالها" الحكومي. حتى ساعات متأخرة من الليل استمرّت اللقاءات والاتصالات لأجل الوصول إلى توافق على شكل الحكومة وتوزيع الحقائب فيها. نجحت القوات في الصمود مجدداً، وفي الانتقال إلى جولة جديدة من المفاوضات، بعد تخطّيها حواجز الحصار التي فرضت عليها. كسرت القوات الطوق من حولها، واستعادت المبادرة، بحيث حمل الوزير ملحم الرياشي مساء رسالة من سمير جعجع إلى الرئيس سعد الحريري. وتتضمّن الرسالة حصول القوات على 4 وزراء، بينهم نائب رئيس الحكومة وحقيبتان خدماتيتان، لم تكشف المصادر ماهيتهما. رسالة القوات وصلت إلى الحريري بعد اللقاء الذي عقد بين الوزيرين جبران باسيل ورياشي بعد طول انتظار وقطيعة بينهما. وفيما اعتبر الطرفان أنه لا بد من حصول لقاء بين القوتين المسيحيتين لأجل إيجاد تخريجة نهائية للحقائب الخدماتية، تسارعت لعبة شد الحبل بين التيار الوطني الحر وتيار المردة دعلى وزارتي العدل والأشغال، وما يرتبط بهما من حقائب أخرى خدماتية أساسية وتلك التي أقل منها. صحيح أن اللقاء بين الرياشي وباسيل أعطي طابع الحرص على المصالحة المسيحية وما إلى هنالك، إلا أن الهدف كان البحث عن مخرج.
وتكشف مصادر متابعة عن أن اللقاء بين الوزيرين لم يصل إلى نتيجة، وقد أحال باسيل رياشي إلى الحريري للتفاوض معه، معتبراً أن التيار متمسك بالمعيار الذي ستتشكل على أساسه الحكومة، باعتباره يحقق عدالة التمثيل. عندها، فهمت القوات أن تطويقها مستمر. وهذا ما مهّد للقاء بين الحريري والرياشي. الأساس كله انطلق من اللقاء الثالث الذي جمع الحريري وباسيل، وجرى خلاله استعراض كل التفاصيل، وتحديد معايير موحدة لآلية التشكيل. وهذا مطلب كان يطالب به التيار الوطني الحر من الأساس. ويعتبر التيار أنه حقق انتصاراً في هذا الصدد، لأن توحيد المعايير يعني تطبيق رؤية التيار في توزيع الحقائب، ويقطع الطريق على القوات بالحصول على حقيبتين خدماتيتين أساسيتين.
وسط هذه اللقاءات، زار الحريري قصر بعبدا سراًَ والتقى رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل. وتكشف المصادر عن أن الحريري سمع تشدداً من عون حيال وزارة العدل وعدم التنازل عنها، بالإضافة إلى أن الوضع لم يعد يحتمل ولا يمكن الانتظار، ويجب حسم مناقشاته مع القوى وتقديم صيغة يرضى من يرضى بها ويرفضها من يرفضها. بقيت بعض القطب المخفية بشأن اللقاءات بين القوات والحريري من جهة، وبين التيار الوطني الحر والحريري من جهة أخرى. الطرفان يشيدان بالرجل، ويعتبران أنه يريد تحقيق ما يريدانه. إذ إن باسيل يهلل لالتزام الحريري بوحدة المعايير. وتعتبر مصادر التيار أنه استطاع الحصول على ما يريده لجهة عدد الحقائب وماهيتها. والأساس هنا، بالنسبة إلى التيار، هو الحصول على حقيبة أساسية ثانية إلى جانب وزارة الطاقة والمياه، على أن يختار الحقيبة التي يريدها إذا ما كانت العدل أو الأشغال. وقد وضع التيار شرطاً أساسياً هو أنه إذا ما أصرت القوات على العدل، لا بد له من الحصول على الأشغال. ما من شأنه أن يفتح إشكالاً مع تيار المردة. وهذا سينسحب على عدم حصول القوات على وزارة الشؤون الاجتماعية باعتبارها وزارة خدماتية، وإن لم تكن من الوزارات الأساسية الست.
وفق التصنيف الذي يريده التيار، فإن الحقائب الخدماتية الأساسية هي ست وزارات، ستوزع على مختلف مكونات الحكومة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وهي: العدل والاتصالات والصحة والاشغال والتربية والطاقة. وبينما حسمت وزارة الصحة لحزب الله، والطاقة للتيار، والتربية للحزب التقدمي الاشتراكي، والاتصالات للمستقبل، بقي السجال بشأن العدل والأشغال. وفيما تمسكت القوات بالمطالبة بوزارة العدل، مقابل حصول التيار على الطاقة، يعتبر التيار أنه من حق رئيس الجمهورية الحصول على حقيبة خدماتية. ووفق هذا المعيار يفترض أن يطالب الرئيس بحقيبة الأشغال. وربما كان هذا موضوع اللقاء الذي عقد بين باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، لتثبيت الأشغال من حصة المردة. أما الاشتراكي، الذي حصل على التربية، فيرفض الحصول على وزارة البيئة، ويصرّ على المطالبة بوزارة الزراعة.
أما القوات فتعتبر أنها ما زالت تتعرض لعملية إلغاء سياسية من قبل الأقربين والأبعدين. وعلى الرغم من تأكيد مصادرها أن الأجواء إيجابية وأن الحكومة ستبصر النور خلال أيام قليلة، تؤكد أنها على تنسيق كامل مع الحريري، وقد جرى توافق على احترام حصتها وتمثيلها وتجسيد ذلك في التشكيلة الحكومية. وتشير بعض المعلومات إلى أن القوات انتزعت من الحريري موقفاً أبلغه لباسيل بأنه لن يضغط على القوات في سبيل التنازل، لأنها قدّمت ما يكفي من تنازلات، ويجب التعويض لها عن كل ما قدّمته. وتؤكد مصادر القوات أنها أحرزت تقدماً بخصوص حصولها على وزارة العدل، إلى جانب نائب رئيس الحكومة. ووفق القوات فإن الثابت حتى الآن، بالنسبة إليها، هو نائب رئيس الحكومة ووزارة العدل، أما الوزارات الباقية فلا تزال متحركة. وهناك نقاش يدور بشأنها. وهي تتمسك بعدم التنازل عن المطالبة بحقيبة خدماتية، حتى ولو بقيت وزارة الشؤون الاجتماعية معها.
وترفض القوات السير بوزارة الثقافة، حتى وإن حصلت على حقيبتي العدل والشؤون الاجتماعية. وذلك لسبب أساسي بالنسبة إليها، هو أنها في الحكومة الحالية لديها أربع وزراء، نائب رئيس حكومة مع حقيبة ضخمة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، والإعلام ووزارة دولة لشؤون التخطيط عبر حليف لها. فلا يمكن القبول بتجريد نائب رئيس الحكومة من حقيبته، والاستمرار في الشؤون الاجتماعية، والقبول بالثقافة والعدل، لأن هذا العرض لا يفي القوات حقّها وحصّتها، ولا تكون قد حصّلت على ما يزيد عما كان في حكومة تصريف الأعمال. لكن، في حسابات الشدّ والرخي في الربع الساعة الأخير، كل شيء ممكن. وهناك من يخشى نجاح مساعي تحجيم القوات. لكن القوات تعتبر أن المفاوضات مستمرة، وهناك مزيد من الفرص أمامها خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة لحلحلة بعض العقد. بينما التيار بدا متفائلاً جداً بقرب ولادة الحكومة، حتى ولو اضطر الأمر إلى السير بها من دون القوات، وذلك بهدف الضغط عليها للقبول بما قدّم لها، لأن لا حكومة ستتشكل بدونها. فيما هناك من يعتبر أن الحلّ قد يكون بتنازل الحريري من حصته لمصلحة تعزيز حصة القوات وإرضائها.