بحكومةٍ أو بغير حكومة، فالمشكلةُ مستمرةٌ ومفتوحة على التاريخ، أبطالها: الذين قالوا إنّـا نصارى... بل موارنة، ومشكلتهم التاريخية هي شهوة الكرسي، كشهوة التفاحة التي أسقطت آدم من الفردوس.
منذ أنْ بشَّـر ملاك الإنتداب الفرنسي بفردوس رئاسة الجمهورية وقع النزاع ضارياً في حروب الإلغاء بين المتنافسَيْن: بشارة الخوري جرّد إميل إده من جنسيته اللبنانية بتهمة خرق الدستور، ثم اتهمه الجنرال الإنكليزي «سبيرز» بتهريب المخدرات.
وبشارة الخوري إتّهم شارل دبّاس بتحقير وقار الرئاسة عندما راح يُشْـرِف بنفسه على تحقيق جزائي في سرقة وقعت داخل فندق في بحمدون.
وإميل إده حين شعر بأنّ حظّ بشارة الخوري متفوّقاً عليه بالفوز اصطحب معه النائبين المارونيين: يوسف الخازن وروكز أبو ناضر الى منزل محمد الجسر في طرابلس وعرضوا عليه ترشحه لرئاسة الجمهورية، ما حمَل المفوض السامي الفرنسي «هنري بونسو» على تعليق الدستور وحلّ المجلس النيابي وتعيين شارل دباس رئيساً.
وفي ظل اشتداد الصراع الحاد بين بشارة الخوري وإميل إده اختار المفوض السامي الجنرال «كاترو» ألفرد نقاش من خارج الصراع، ثم كان أيوب تابت وهما اللذان اشتهرا بالنزاهة والتجرد ونظافة الكف.
وكان ما كان، بين كميل شمعون وفؤاد شهاب، وكميل شمعون وسليمان فرنجية، وسليمان فرنجية وأمين الجميل، وصولاً الى المواجهات الدموية في حروب الإلغاء بين رئيس الحكومة ميشال عون ورئيس القوات سمير جعجع.
المفارقة: أنّ حروب الإلغاء في السابق كانت تتوسل السلاح السياسي والإستقواء بالمفوض السامي، وبعد الظهور الميليشياوي في حرب 1975، راح الصراع يتوسل سلاح التراشق بالدم.
أَيَـجِب أن يسيل الدم لنحصل على الرئاسة...؟
هي تلك الصرخة للحصول على الخبز التي انطلقت على أفواه الجماهير الفرنسية في أعقاب الثورة فارتفعت الأصوات تقول: «كان الدم يسيل ولم نفـتقد الخبز، واليوم لا يسيل الدم والخبز مفقود، أيَجِب أن يسيل الدم لنحصل على الخبز؟»
المواجهات، والمواقف السياسية المتعارضة والتجاذبات حول المراتب والمكاسب والحكومة والمقاعد والأحجام وما إليها، هي امتداد تاريخي متواصل الحـدّة في الصراع على الكرسي، وما دامت الكرسي لا تـتّسع إلاَّ لواحد، فإنّ أيّ تفاهم ثنائي بين طامحَيْن ضد ثالث يكون تفاهماً مشبوهاً، وكل تفاهم ثنائي على قاعدة: «ليس حباً بمعاوية بل نكاية بعلي»، هو تفاهم يرتـدّ بالتعاكس كمثل ما انتهى إليه «تفاهم معراب».
لعلّ التشابه الأكثر وضوحاً يتمثّل بما قاله الإعلامي السعودي: «تركي الدخيل» المقرب من السلطة المالكة رداً على احتمال فرض عقوبات أميركية على السعودية إنْ هي اتُّهمتْ بتورّطها في اغتيال جمال خاشقجي فقال: «إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك، فقد تتحوّل إيران وحركة حماس من عدوّين الى صديقين وتصبح إيران أقرب الى الرياض من واشنطن».
أليس هذا الذي أعلنه سليمان فرنجية من أنّ تصرّف جبران باسيل هو الذي يجعلنا أقرب الى سمير جعجع من التيار الوطني الحر...؟
على أي حال، فإنّ أيَّ ثنائيةٍ مارونية تختلف عن الثنائية الشيعية، لأن الثنائية المارونية تفـتقر الى سيّد.. وتتصارع على المملكة، والسيد المسيح عند الموارنة مملكته ليست من هذا العالم.