تتمسك روسيا بمبادرتها لإعادة اللاجئين السوريين، والتي أطلقتها قبل نحو شهرين، وكان لبنان أبرز الدول التي رحّبت بها وعمل على تشكيل لجنة مشتركة لتنسيق العودة وتفعيل المبادرة للوصول إلى نتائجها المرجوة. في الأسابيع الأولى لإطلاق المبادرة، وإثر الجولة التي أجراها المسؤولون الروس على بعض الدول الغربية، لم تستطع موسكو تحقيق تقدّم سياسي دولي واسع لدعم المبادرة، ولم تستطع إقناع المجتمع الدولي بتبنّيها وتأمين التمويل اللازم لها. ارتبط هذا الرفض بجملة معطيات وشروط دولية فرضت على موسكو، أساسها أنه لا يمكن الشروع في إعادة اللاجئين قبل إنجاز الحل السياسي، وتوفير شروط العودة الآمنة.
ومن بين النقاط الاعتراض على هذه المبادرة وتسييرها، هو الخلاف بين الروس والأميركيين بشأن بعض التفاصيل في سوريا، أولها الضغط الأميركي لتحجيم النفوذ الإيراني وإخراج القوات الإيرانية والحليفة لها من مختلف المناطق السورية، على غرار ما جرى في الجنوب السوري. وفيما كانت واشنطن تعلن استعدادها للخروج من سوريا وإنسحاب قواتها من المناطق الشرقية، عادت عن موقفها وتمسكّت ببقائها هناك. هذا الأمر يربطه البعض بعدم إنجاز التفاهمات الروسية الأميركية لمستقبل الحلّ السياسي في سوريا.
افتتاح معبري نصيب بين سوريا والأردن، والقنيطرة مع الجولان المحتل، يدعو إلى قراءة بعد الرموز، لأن هذه الخطوة عبارة عن تسوية دولية حظيت بموافقة إسرائيلية، بالإضافة إلى ترقّب إفتتاح معبر البوكمال بين سوريا والعراق. ولا يمكن أن يكون ذلك خارجاً من سياق التفاهمات الدولية. ويعتبر الروس أن فتح المعابر سيسهّل عملية انتقال اللاجئين إلى الداخل السوري، لأن مستلزمات تأمين هذه العودة قبل فتح المعابر باهظة وصعبة من الناحية اللوجستية.
تشير بعض المعلومات إلى أن الروس أخذوا قراراً جدياً في إعادة اللاجئين، ويعملون لفرض شروط أساسية على النظام السوري، أولها أن تكون الاعفاءات جدية مع ضمان عدم ملاحقة بعض المطلوبين إلى الخدمة الإلزامية، وعدم النكث بهذه الضمانات بعد ستة أشهر. وهناك إصرار روسي على الإلتزام بالعفو العام المفترض أن يصدر عن النظام السوري. وهذا بناء على مطالب من الأمم المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي التي تضغط في سبيل تحقيق ذلك. ويشير الروس إلى أنهم حصلوا على هذه الضمانات. إلى جانب الانتهاء من بناء نحو 65 مركزاً لإيواء اللاجئين الراغبين في العودة.
ويقترح الروس أن المبالغ التي تصرف على اللاجئين في لبنان، من الأسهل والأوفر صرفها عليهم في الداخل السوري، بشرط أن تكون المناطق التي يعود إليها اللاجئون، فيها حدّ أدنى من الهدوء والأمان ووقف العمليات العسكرية، مقابل فتح الأبواب أمام اليد العاملة السورية اللاجئة للمشاركة في إعادة الإعمار، من الآن إلى نحو سنة. وهذا ما يشكّل بالنسبة إلى الروس مدخلاً أساسياً لفرض الحلّ السياسي وإجبار القوى الدولية على الموافقة عليه والسير به.
يرسم الروس المستقبل السياسي لسوريا ما بعد الحلّ السياسي، وعنوانه الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ولكن عبر تعزيز منطق الفيدراليات واستخدام النموذج الروسي إلى حدّ ما، تحت شعار لا أكثريات تسحق أقليات، ولا أقليات تتحكم بأكثريات. ويتابع الروس هذا الملف مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بشكل مكثف في العلن والخفاء.