تتسلل ظواهر الموت إلينا بشكل لافت و آمن ودون أي مواجهات تُذكر معها لا من المعنيين ولا من غير المعنيين كأن يد الموت امتدت لتحصد أرواحنا جيلاً بعد جيل بوسائط متعددة وأشكال مختلفة مرهونة بأسباب كثيرة ملأت مجتمعاتنا التي باتت تنام على موت وتصحو على موت غبطة به لسرور الموتى بموتاهم كونهم حصيلة نضال مرير وجهاد دائم ومستمر بحثاً عن حياة مفقودة في أوطان لا تزدهر فيها سوى أسواق المقابر.
اسمه الموت ومع ذلك نركض وراءه ولا نستمهله ولا نتريثه نُسرع اليه حفاة وعراة علّ شهادة كفنه تغطي ما لم تستره أفهامنا وأوضاعنا وطرق العيش في بلاد غريبة عجيبة يتساوى فيها الجلاد والضحية والقاتل والمقتول ودون تردد نرفع له شارات النصر ونقيم الأفراح الملاح على جُثثنا الماضية في طوابير غير منظمة وغير منتظمة الى حفرها في أرض اتسعت لنا كأموات ولم تتسع لنا كأحياء.
إقرأ أيضًا: بالروح بالدم نفديك يا ................
من آفات الموت المستحدثة بعد أن جربنا بشرف ساحات الشرف وبعد السرقة والجريمة وتعاطي المخدرات ومزاولة الممنوعات وبناء الفوضى بكل نماذجها وبكل اتجاهاتها وبعد أن انتشرت فينا البطالة المتكدسة في الشوراع والتي سهلت لجيل كامل الوجود على أرصفة الموت طمعاً بوعود ساخطة وبأجور متاحة ضمدت من جروحات الفراغ القاتل في مجتمع يتصبب دماً بحثاً عن لا شيء في حقائق من صنع الوهم والخيال.
أطفال ومراهقون يتوزعون على أبواب الزواريب وفي الساحات العامة وفي القرى والمدن وفي المقاهي والحانات تمتصهم سموم المعسل ويلوكهم تبغ قاتل أفراداً وجماعات في ظل تيسير كامل من الأهل ومن الرقابة القانونية والاجتماعية حيث يلبي الأهل احتياجات أولادهم من السموم فما عادت النراجيل وحدها مصادر لهوهم بل باتت الدراجات النارية إحدى اللعب الجديدة لأطفال ومراهقين يملؤون الشوارع دون حسيب ولا رقيب فلا البلديات والمجالس المحلية معنية بذلك لحسابات سياسية عطلت من دور شرطتها ولا الأجهزة المختصة تتابع موضوع هذا الموت الجديد لأسباب كثيرة ومنها تدخل قوى الأمر الواقع عند كل حملة حجز للدراجات بغية الإفراج عنها لتوفير الحماية اللازمة لزبائنهم السياسيين من البيئات التي تنتخبهم أو تواليهم أو تنتسب اليهم ببطاقة حزبية مباشرة تفرض على المسؤولين حماية المخالفين من جماعات التنظيمات اللبنانية.
إقرأ أيضًا: يا أيّها الشعب العظيم يا أشرف الناس يا .............
لا أعرف سرّ الأهل في دفع أبنائهم نحو الهلاك اذا ان الفقراء منهم يشترون لأطفالهم الدراجات النارية وكأنها اللعبة التي فقدوها ولم يحصلوا عليها وهم صغار فيعوضون بذلك عن ما فاتهم من وسائل كانت للأغنياء والأغنياء منهم يهدون أطفالهم دراجات ذات الدفع الرباعي لأنهم في صحراء ويمارسون هواية اللعب على الرمال وكلا الفقراء والأغنياء يطلقون أبناءهم في الشوارع عرضة للموت ولأذية الآخرين والقانون مع السبب لا مع المسبب وتكثر حوادث السير بفعل الدراجات التي تنط يميناً وشمالاً وتطلع من كل الاتجاهات بحيث تفلت إن حالفك الحظ من ألف حادث في اليوم الواحد.
ولا أعرف سرّ المسؤولية الغائبة عن حماية مطلوبة للأطفال وللناس ولسائقي السيارات الذين باتوا يهرعون من ظاهرة الدراجات النارية التي تحتاج الى شروط والى ممرات خاصة آمنة للجميع لا الى ما يُبررها ويجعلها ظاهرة مزدهرة في فوضى عارمة تميت من بقي حيّاً سالماً وغير متعاف من وسائل الموت المتعددة والتي يتقنها من آمن بالموت رصيداً للعيش بكرامة.