قد لا يكون الوقت مناسباً لقراءة المستقبل الحكومي في الساعات المواكبة لولادة الحكومة، لكنّ الجدل قائم منذ فترة حول 3 محطات حكومية لا بد من ولوجها إدارياً ودستورياً. فبالإضافة الى شكلها وطريقة تركيب موازين القوى فيها وتقاسم حقائبها والمعادلات الجديدة، وهو ما ستحسمه الأيام القليلة المقبلة، هناك نقاش لا غنى عنه في شكل بيانها الوزاري ومضمونه وما يمكن ان تتعهّد الحكومة به، قبل البحث في طريقة مقاربتها الملفات الداخلية والخارجية ومسلسل الإستحقاقات المقبلة على لبنان والمنطقة اقتصادياً وسياسياً ودولياً.
وفق هذه المعادلة سينتهي قريباً النقاش شكلاً وفي الحصص الحكومية التي اكتسبها المتنازعون. فهم خاضوا حرباً مضنية طوال الأشهر الخمسة التي أعقبت تكليف الرئيس سعد الحريري من أجل تحقيق أعلى المكاسب الممكنة، فكان النقاش يدور تارة على قاعدة ما أنتجته الإنتخابات النيابية من كتل ومواقع قوى قديمة ـ جديدة، وتارة أخرى على قاعدة مناصبة العهد العداء والسعي الى إحباطه بعيداً من البحث في دورها وطريقة مقاربة الملفات الشائكة التي يختلف حولها من سينضمّون للجنة الحكومية الى حدود بعيدة كل البعد عن القواسم المشتركة. وكل ذلك كان يجري في ظل سَعي رئيس الجمهورية الى تأليف الحكومة الأولى في عهده التي انتظرها بعد الإنتخابات النيابية. والتي - في الأمر الواقع - قد تكون حكومة العهد الأولى والأخيرة بالنسبة الى الآخرين، الذين يتصرفون على أساس أنها نتاج تسوية رئاسية وحكومية ونيابية جاءت بعون الى قصر بعبدا وبالحريري الى السراي الحكومي طوال الولاية الرئاسية أيّاً كان الثمن، ولا مكان لأي سيناريو آخر.
وعليه، ومتى انتهت عملية توليد الحكومة في الأيام المقبلة، سيكون البيان الوزاري اول الاستحقاقات التي ستواجهها في ظل مهلة الشهر التي عليها ان تضعه فيها قبل طلب ثقة مجلس النواب. وهو أمر لا يتحمّل كثيراً من الجدل، ذلك انّ معظم البيانات الوزارية السابقة تناولت القضايا الخلافية بعبارات ومقاطع قابلة للتأويل والتفسير بما يُرضي كل المكونات الحكومية، عدا عن الاعتقاد السائد بأنّ البيان يوضع على الرف متى ولد ولا يعود اليه أحد إلّا في المحطات الخلافية فيؤكدون مرة أخرى قراءاتهم المتشعبة للبند الخلافي. وها هي التجربة مع ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» خير دليل على عمل الحكومات التي شكّلت منذ العام 2005 الى الآن، والتي لم يخل البيان منها، ولو بعبارات مختلفة على رغم الطعون التي تقدمت بها قوى سياسية وحزبية لسحبها من البيان أو تجميدها، فوضعت في أدراج المراجع الدستورية ولم تغيّر من شكل البيان ومضمونه شيئاً.
والمفارقة المتوقعة مع الحكومة الجديدة لا تقف عند البيان الوزراي وحسب، فالمشكلة الحقيقية هي إذا بقيَ جميع الذين دخلوا الجنة الحكومية على مواقفهم السابقة من القضايا الأساسية والمشاريع الحيوية التي تحاكي سياسة لبنان الإقليمية والدولية، وبعض الملفات الكبرى التي تطاول قطاعات خدماتية وحيوية كالطاقة الكهربائية والنفط والنفايات وغيرها من تلك التي سيحتسب رئيس الجمهورية، وربما انضمّ اليه رئيس الحكومة لاحقاً، على أنها في نوعيتها ضد العهد أو معه ترحيباً أو رفضاً من اليوم، على أساس انّ أصحابها مفروزون من الآن بين مَن بَقوا في التسوية ومعارضيها.
ولذلك، تبدو الآن المخاوف واضحة من أن تبقى المواقف المتضاربة معتمدة في الحكومة المقبلة متى بدأت مهماتها. وهو ما سيجعلها في حال نزاع دائم طالما انّ الحلول المرضية للجميع مفقودة وانّ النيات معقودة على برامج لا يتوافر حولها الإجماع الوطني، بدليل انّ وليد جنبلاط يُحاذر تأليف الحكومة ـ وعلى سبيل المثال لا الحصر - ان يكون طرفاً في معركة متوقعة من الآن مع «تجار الزبالة».
والى الملفات الحيوية التي ينتظر اللبنانيون حلولاً مستحيلة او صعبة لها، هناك عناوين سياسية لا يمكن تجاهل ردات الفعل المتضاربة على طريقة مقاربتها من الآن، وفي مقدمها علاقات لبنان مع الخليج العربي وجارته سوريا تحديداً، ومسألة التطبيع مع النظام التي ستقود الى خلاف يهدد التضامن الحكومي، خصوصاً إذا ما بات على لبنان ان يقول الكلمة الفصل في ما يجري هناك في ظل الخلافات الإقليمية التي تترجمها المحاور التي تقود النزاع في سوريا، والتي لا تنبىء بإمكان التفاهم على حل سياسي قريب ينقل الحوار بين السوريين من جبهات القتال الى طاولات المؤتمرات السياسية والدستورية التي يجهد العالم لأجلها بلا جدوى.
على هذه القواعد والمعطيات، تتنامى المخاوف من وجود بذور التعطيل في التركيبة الحكومية الجديدة وتَشي بها التشكيلات الوزارية متداولة في السر والعلن. فصيغة التوافق التي ستترجم بـ3 عشرات لا تؤمّن أكثرية قوية وضاغطة، وإن توافرت في بعض العناوين الهامشية فهي قائمة في القضايا الاساسية ومفروزة من الآن بنحو قد يؤدي الى تعطيل القرارات المناسبة في شأنها. وإن أقفلت هذه الحكومة بعض الملفات فهي ستقفلها على زَغل، ما سيقود حتماً الى مزيد من العقبات أمام الانتاجية الحكومية... ومن يعش يرى؟