كثيرة هي السيناريوهات التي يُحكى عنها والتي تسبق لقاء رئيس حزب «القوات» سمير جعجع برئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، منها ما يتعلق باستحقاق بالرئاسة، وأخرى تتناول إنشاءَ جبهة سياسية جديدة، لكنّ الأكيد أنّ مرحلة جديدة في المستقبل المسيحي ستُفتح.
لا يمكنك اجتيازُ حاجز المدفون في اتّجاه الشمال، إلّا أن تلاحظ إنعكاس الصراع السياسي والعسكري السابق على الأقضية المسيحية الشماليّة، هنا في البترون ألف قصّة وقصّة، الساحل فُصل عن الوسط والجبل، في الساحل وقسمٍ من الوسط تمركز الجيشُ السوري و»المردة» أو الزغرتاويّون كما يحلو للبعض من أبناء المنطقة أن يسمّيهم، وهناك في وسط البترون والأعالي تمركزت وحداتُ «القوات اللبنانية» وباتت من المناطق المحرّرة.
تكمل المشوار باتّجاه شكا، البلدة التي أدمتها مجازر الفلسطينيين وحلفائهم، ومن ثمّ شهدت خلافات على شركة الترابة بين أبناء البيت الواحد، لتنتقل بعدها الى الكورة التي كانت أرضاً خصبة لصراع المسيحيين، والتي عاشت موجة تهجير الكتائبيين بعد حادثة إهدن، وشهدت حوادث متفرّقة بعد عام 2005 أدّت الى سقوط ضحايا من الفريقين.
لكنّ الحدث الأهمّ في مفهومه المناطقي سيكون بين بشري وزغرتا، هما المنطقتان اللتان تشكّلان بوابة جبل لبنان التاريخي من ناحية الشمال، والأهم أنه رغم الخلاف السياسي، فإنّ الشعب قد تصالح منذ زمن بعيد وخفّت حدة الخلاف بين أفراده، وما لقاء جعجع وفرنجية إلا تتويجاً لمصالحة الشعب وليس العكس.
إذاً، تختم المصالحة بين «القوات» و»المردة» آخر الجروح المسيحية النازفة والتي كانت من أحد أهم أسباب «كسر ظهرهم»، وبغض النظر عن الأجندات السياسية، إلّا أنّ أبناء الشمال يؤكدون أنّ المصالحة مطلوبة في هذا الوقت لإراحة المنطقة نهائياً، وعدم «نبش القبور» لحظة وقوع الخلاف السياسي، ولكي لا يستطيع أيُّ فريق كائناً مَن كان «نكء» الجراح والمتاجرة بالقضية والمزايدة.
ويحضر اللقاء المرتقب بقوّة في أحاديث مَن عايش تلك المرحلة أو مَن عانى من ترسّباتها، وأدّى الى الفرقة، خصوصاً أنّ «حرب السنتين» شهدت توحّداً مسيحيّاً، ولم يكن هناك فرق بين «بشراني وزغرتاوي»، أو بين «كتائب» و»أحرار» و»حرّاس أرز» و»مردة» أو أيِّ تنظيم آخر.
وتأتي مصالحة فرنجية وجعجع بعد توقيع «تفاهم معراب»، خصوصاً أنّ الإتّصالات قد نشطت في الأيام الماضية على جبهة «القوات»- «التيار الوطني الحر» لحصر الحرائق التي اندلعت على خلفية تأليف الحكومة. ومن المؤكد أنّ «تفاهم معراب» يحظى برعاية كبرى، إذ إنّ الطرفين لا يستطيعان أن يتنصّلا من منطق المصالحة.
ومن جهة أخرى، فإنّ كسراً للجليد حصل بين «الكتائب» و»التيار»، لكنه لم يصل الى مرحلة نسج تحالف سياسي، في حين أنّ العلاقة بين «الكتائب» و»المردة» جيدة، وتتحسّن مع «القوات» بشكل كبير.
وتبقى العقدة الأكبر في العلاقات المسيحية هي بين «المردة» و»التيّار»، خصوصاً مع مطالبة الأخير بوزارة الأشغال وفتح مشكل جديد عند كل استحقاق حتى لو كان إجتماعيّاً. وفي هذا الإطار، فإن لا جديد يُسجَّل على هذا الخط، والجميع ينتظر خطوات لرأب الصدع.
لكنّ القياديّين في الأحزاب والتيّارات يؤكّدون أنّ كل تلك الخطوات لن توصل الى ما يشبه جبهة تشبه «الجبهة اللبنانية»، وذلك لأسباب عدة أبرزها أنّ طبيعة الصراع في البلد تغيّرت ولم تعد طائفية والإصطفافات لا تشبه إصطفاف 1975.
أما النقطة الثانية فهي غياب مرجعية قادرة على جمع الأحزاب والتيارات والشخصيات المسيحية، فبكركي لا تتدخّل في التفاصيل، في حين أنّ الرهبنة المارونيّة هي التي شكّلت في الحرب تلك المرجعيّة، ويضاف الى ذلك غياب قياديين بحجم الرئيس كميل شمعون الذي ترأّس الجبهة، ومفكرين وشخصيات طبعت تلك المرحلة.
والسببُ الأهم لعدم الحاجة لوجود مثل هكذا جبهة، هو أنّ معظم المطالب المسيحية تحقق وخصوصاً إنتخاب رئيس ذات تمثيل شعبي وإقرار قانون إنتخابي عادل.
وبالتالي، فإنّ تجميع الأحزاب والقوى في جبهات ذات طابع طائفي غير مطروح وهو مضرّ، خصوصاً أن لا مشروع سياسيّاً معيّناً تتفق عليه هذه الأحزاب والتيارات، ومعروف أنّ المسيحيين يتأثرون بما يدور من حولهم، ولذلك هم منقسمون الى محورين.
ويبقى المطلوب أن يستمرّ التواصل بين جميع القيادات المسيحية واللبنانية، لا أن يتصالح فريقان على حساب الثالث، من ثمّ يتصالح الثلاثة لاحقاً على حساب الرابع، بل إنّ المسيحيين دفعوا ثمن حروب الإلغاء التي دمّرتهم ولا يريدون أن يدفعوا فاتورةً في السلم أكبر من أيام الحرب.