تواصلت أمس مساعي رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لتذليل العقبات الأخيرة التي تعترض تشكيل الحكومة، مع استبعاد أن تؤدي هذه العقبات إلى إفشال التأليف. مصادر مطّلعة أكّدت لـ«الأخبار» أن رئيس الحكومة «حاسم في التأليف» وأن «الحكومة خلصت، وستتشكّل ولو بلا القوات لأن أحداً ليس مستعداً لتغنيج أحد أكثر من ذلك»! ولفتت الى أن القوات نالت أكثر من حقها: فهي تستحق 3 مقاعد، لكنها حصلت على 4. وهي تستحق حقيبة «وازنة» وحقيبة عادية ووزارة دولة، فحصلت على 3 حقائب ومنصب نائب رئيس الحكومة.
 

ويوماً بعد آخر، تتكرّس معادلة أن القوات بلا حلفاء، بعدما اتهمها التيار الوطني الحر بالانقلاب عليه، ورفض الحريري «الخضوع لابتزازها» مع معرفته بدورها في خطفه في الرياض العام الماضي. ولفتت مصادر على صلة بالحريري إلى أن الاخير لا يتعامل بمرونة مع القوات، ويعمل على اعادة تمتين الشراكة مع عون وباسيل. كما أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط قرر المضي، بلا سمير جعجع، في تفاهم مع رئيس الجمهورية، يُبعد عن الجبل شبح التوترات. واللافت هنا أيضاً ان جنبلاط فوّض عون بحل «العقدة الدرزية»، بعدما كان قد أشار سابقاً إلى أنه يريد الرئيس نبيه بري وسيطاً في أي مفاوضات تُجرى معه.
وشهد يوم أمس سلسلة لقاءات صبّت في إطار البحث عن حل للعقدة القواتية، قبل أن تظهر عقدة مرتبطة بميل الحريري إلى تمثيل الأقليات على حساب أحد مقعدي الأرمن، وهو ما واجه حالة رفض أرمنية دينية وسياسية واسعة.
مصادر مطلعة قالت إن الحريري زار بعبدا سراً والتقى رئيس الجمهورية ميشال عون لساعات، في حضور وزير الخارجية جبران باسيل. وكرر عون أنه سمع من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه لا يمكن تأخير الحكومة اكثر، مضيفاً أن المناخ الإقليمي يتيح تأليف الحكومة، من دون الأخذ بكل الشروط السعودية. والنقطة الأخيرة لم ينفها الرئيس المكلف الذي يشير مقربون منه إلى استعداده، وعون، للمضي في تأليف حكومة حتى ولو من دون القوات اذا اصرّت على شروطها.


واستقبل باسيل والنائب ابراهيم كنعان أمس الوزير ملحم رياشي في مركز التيار الوطني الحر في سن الفيل، سعياً لتثبيت الاتفاق على تخلي رئيس الجمهورية عن نيابة رئيس الحكومة لصالح القوات. وعلمت «الأخبار» أن رياشي «طلب رسمياً» من التيار أن تُعطى القوات منصب نائب رئيس الحكومة، فوعد باسيل بالنظر ايجاباً في الأمر لتيسير تشكيل الحكومة، مع التأكيد على أن هذا الموقع أساساً من حصة رئيس الجمهورية. كما حاول رياشي الاستفسار عما «تبقّى لنا» من حقائب، فأجابه باسيل بأن الأمر يُبحث مع الرئيس المكلف. وقالت مصادر في التيار الوطني الحر لـ«الأخبار» إن البحث لم يتطرق الى حقيبة العدل التي يتمسّك التيار بها. وبينما صار مرجحاً أن «القوات» ستحصل على حقيبتي الثقافة والشؤون الاجتماعية، قالت مصادر إن الحقيبة الثالثة قد تكون العمل كونها وزارة وازنة.
وأفادت مصادر مطلعة أن الحريري سبق أن عرض على القوات، منذ يومين، حقيبة العدل، إلا أن جعجع لم يبد اهتماماً بها، مصرّاً على حقيبة من ثلاث: الأشغال أو الصحة أو الطاقة. ولما قوبل طلبه بالرفض، أبدى استعداده للموافقة على الحصول على العدل، إلا أن الحريري كان قد التقى رئيس الجمهورية وسمع منه تأكيداً أنه يريدها من حصته، مبدياً استعداده لاستبدالها بالتربية. لكن الأخيرة آلت إلى «الاشتراكي»، علماً بأن القوات تتجنّب «التربية» خوفاً من مشاكل مع أهالي الطلاب بسبب الأقساط، ومع الكنيسة ربطاً بالمدارس الكاثوليكية.
وفيما لم يصل أي من اللقاءات إلى حلول مرضية لمعراب، خرج رياشي من لقائه المسائي مع الحريري، مشيراً إلى أنه نقل رسالة من جعجع إلى رئيس الحكومة المكلف، وأنه «ننتظر إجابات حول التركيبة الحكومية في غضون 48 ساعة».
وأفادت المصادر أنه لم يعد بإمكان الحريري الانتظار أكثر، مبدية ثقتها بأنه لن يتراجع هذه المرة عن تقديم تشكيلته إلى رئيس الجمهورية، حتى لو كانت لا ترضي الجميع، من دون استبعاد إمكانية تبادل حقيبتي العمل والتربية بين القوات والاشتراكي.
وحتى مساء أمس، كان المعروض على القوات أن تكون حصتها نائب رئيس حكومة مع الثقافة (او الاعلام) والشؤون الاجتماعية (أو العمل) والبيئة، فيما طالبت بالعدل او الزراعة. وإزاء هذا الواقع، قرر جعجع التصعيد، مهدداً بعدم المشاركة في الحكومة في حال لم يتلقَّ عرضاً يرضيه. وقالت مصادر معنية بالتأليف إن رئيس الحكومة يبدو مصمماً على التأليف، من دون أن يقف عند خاطر أحد، ولو كان سمير جعجع.
من جهة أخرى، علمت «الأخبار» أن باسيل عرض على حزب الله إجراء مقايضة بين «الأشغال» و«الصحة»، فيحصل الحزب على الاولى، فيما تكون الثانية من حصة تيار المردة. وإزاء رفض الحزب، سعى باسيل إلى أن يكون وزير المردة غير يوسف فنيانوس، لكن الاقتراح قوبل بالرفض أيضاً. ولا تزال عقدة تمثيل «سنّة 8 آذار» قائمة، فيما يعبّر الحريري عن انزعاجه من الضغط عليه، وخاصة انه «تنازل عن مقعد سنّي» لعون في مقابل حصوله على مقعد مسيحي للوزير غطاس خوري.