أظهرت نتائج المشاورات واللقاءات التي نشطت امس في مختلف الاتجاهات ارتفاع منسوب التفاؤل بولادة الحكومة بين ساعات وايام، بل شاعت معلومات عن حصول «اتفاق رئاسي» على توليدها بعد غد السبت، خصوصاً في ضوء إعلان بري من جنيف، التي يتوقع ان يعود منها اليوم، انّ «الفول موجود والمكيول موجود. لربما إن شاء الله يتم هذا الامر». ويتوقع المراقبون ان تحمل الساعات المقبلة مزيداً من المعطيات والمؤشرات على مصير هذا الاستحقاق الحكومي الذي دخلت المفاوضات في شأن إنجازه مرحلتها الأخيرة.
ساعات مفصلية وينتهي مخاض التأليف، بعد نحو أربعة أشهر ونصف شهر على تكليف الرئيس سعد الحريري، في ظل آمال بنجاح مفاوضات ربع الساعة الاخير من ولادة الحكومة، إذ انّ شدّ الحبال فرض نفسه، والاتصالات لتذليل ما تبقّى من عقبات بلغت ذروتها.
كلّ ذلك يجري في ظل احتجاب ديبلوماسي عربي وأجنبي لافت عن المشهد الحكومي. الّا انّ احتجاب الديبلوماسيين عن زيارات المسؤولين اللبنانيين، لا يعني، وفق معلومات توافرت لـ«الجمهورية»، الاحجام عن إجراء اتصالات بالمعنيين لتذكيرهم ببعض المعايير التي يريد المجتمع الدولي مراعاتها في تأليف الحكومة.
لقاء ثلاثي
وكانت محركات تشكيل الحكومة عملت بطاقتها القصوى في الساعات المنصرمة، إذ نشطت الاتصالات في كل الاتجاهات، وشملت القصر الجمهوري و«بيت الوسط» ووزارة الخارجية ومعراب وجنيف. وكانت المحطة الابرز اللقاء الذي بعد ظهر امس بعيداً من الاعلام في قصر بعبدا، بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري في حضور رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل.
وعلمت «الجمهورية» انّ الرئيس المكلف، وبعدما توافرت لديه معطيات متقدمة جداً، وتحتاج الى تشاور قبل تحديدها، والاتفاق حولها، قرّر زيارة عون بعيداً من الأضواء حتى لا تُحتسب عليه الزيارة اعلامياً، وكذلك لكي لا يتم التشويش، في اعتبار انّ عملية التأليف الحكومي قد وصلت الى خواتيمها.
وبالفعل، فقد طلب الحريري تأجيل موعد لقائه مع وزير الخارجية العراقية ابراهيم الجعفري، الذي كان مقرراً عند الساعة الأولى والنصف بعد الظهر، الى السادسة والنصف مساء في «بيت الوسط».
ودام اللقاء بين الحريري وعون 3 ساعات هادفاً الى التفاهم على ما تبقى من عقد تعوق ولادة الحكومة. وقد أجرى لهذه الغاية من قصر بعبدا سلسلة اتصالات لمعالجة هذه العقد، وحصل أخذ ورد، وفتحت خطوط الاتصالات في كل الاتجاهات الى أن خرج الرئيس المكلف بعد الاتفاق على كل الحكومة، بحقائبها الوزارية وتوزيعتها، وكذلك على بعض الاسماء.
وعلمت «الجمهورية» انه تم خلال اللقاء التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الموجود في جنيف، فأبلغ الى عون والحريري انه مستعد للعودة الى بيروت اليوم إذا اقتضى الامر، لكن تم الاتفاق فيما بعد، وبحسب المعلومات، على ان تُعلن الحكومة بعد غد السبت.
«القوات» و«التيار»
وقالت مصادر مواكبة لعملية التأليف لـ«الجمهورية» انّ «التفاهمات تمت في اجواء إيجابية جداً، وانّ الرئيس المكلف، وبالاتفاق مع رئيس الجمهورية، اراد ان تعود الحرارة المنقطعة منذ مدة، الى العلاقة بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» قبل إعلان الحكومة، وذلك في خطوة توفّر مناخات جيدة لولادة الحكومة بحيث تكون العلاقات طيبة بين جميع الافرقاء.
ولهذه الغاية، تقرر على الفور ان يزور الوزير ملحم الرياشي، الوزير جبران باسيل في المقر المركزي لـ«التيار» في سن الفيل، حيث اجتمعا في حضور النائب ابراهيم كنعان، ليس للاتفاق على الحقائب التي كانت شبه منتهية، إنما لإعادة التواصل والاتفاق على مرحلة ما بعد الحكومة، ولتحصين التنازلات المقدمة من كل الاطراف. إستمر الاجتماع حتى المساء، وتوجّه الرياشي بعد ذلك الى «بيت الوسط» لوضع الحريري في أجواء لقائه مع باسيل.
وفي ضوء كثرة التسريبات عن الحقائب الوزارية وأسماء من أُسندت إليها، أكدت المصادر نفسها لـ»الجمهورية» انّ «معظم ما يُسرّب غير صحيح، وانّ التكتم الشديد يحوط بعملية توزيع الحقائب».
وكان باسيل قال من وزارة الخارجية عن تأليف الحكومة: «إن شاء لله قريباً». وأضاف: «المهم ان تكون الحكومة فاعلة ومنتجة». واكد «انّ عدالة التمثيل تتحقق والقواعد والمعايير التي تجمع تتحقق، وهذا ما يسمح للحكومة بأن تؤلّف بقرار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ونتمكن من اليوم ان نقول مبروك».
وعن موضوع إسناد حقيبة وزارة العدل الى «القوات»، قال باسيل: «لا املك الصفة، ولا نحن في المكان الذي يسمح بالدخول في هذه التفاصيل، لكن الصورة واضحة أمامي في هذا الاطار».
الرياشي
من جهته، اكد الرياشي من «بيت الوسط» أنه نقل الى الحريري رسالة من رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، آملاً في أن تبتّ الامور خلال الـساعات الـ 48 المقبلة. وأشار الى انه وضع الحريري في أجواء لقائه مع باسيل، قائلاً: «لم نتكلم في الحقائب، وننتظر أجوبة من الرئيس المكلف خلال الـ48 ساعة المقبلة». وشدد على ان «لا عقدة قواتية إنما هناك بعض العقد من «القوات».
«حزب الله»
في غضون ذلك، تترقب الاوساط السياسية مواقف للامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله، الذي سيطلّ غداً في احتفال تربوي.
وكان رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا عقد اجتماعاً مع باسيل في مقر وزارة الخارجيّة، ركّز على حلحلة ما تبقّى من عقد تعوق تأليف الحكومة.
وعلمت «الجمهورية» انّ الاعلان النهائي عن اسماء وزراء «حزب الله» يبقى في يد مجلس شورى الحزب، وهذا الأمر سيتم في اللحظات الاخيرة، إذ انّ التسمية مرتبطة بما سترسو عليه عملية توزيع الحقائب، علماً أنه بات محسوماً انّ حصة الحزب هي 3 وزراء، وانّ حقيبة وزارة الصحة ستؤول الى حزبي من منطقة البقاع، كذلك سينال الحزب حقيبة خدماتية، إضافة الى «وزير دولة».
وكررت مصادر الحزب التأكيد لـ«الجمهورية» ان لا علاقة لأي شأن خارجي إقليمي بموضوع التأليف، وعَزت تسارع وتيرة مشاورات التأليف بنحو غير مسبوق الى سبب وحيد، وهو انّ البلد يحتاج الى حكومة ونقطة على السطر، فالقصة ليست قصة عُجالة بمقدار ما هي قصة اننا تأخّرنا كثيراً في تأليف الحكومة، ويجب ان تؤلف لمصلحة الجميع».
وعن موعد ولادة الحكومة، قالت المصادر: «لا أحد يستطيع تحديد موعد ولادتها، ويبدو أنها قصة ايام او ربما ساعات». واضافت: «لا يبدي الحزب ايّ تخوّف من تطور ما يُفرمل عملية التأليف، ويرى ان الامور هذه المرة ذاهبة في اتجاه الحسم، ويرفض الحزب اخيراً اعتبار انّ هناك منتصراً أو خاسراً في الحكومة العتيدة».
«القوات»
من جهتها مصادر «القوات اللبنانية» قالت لـ«الجمهورية»: «لا شيء محسوما بعد، وانّ كل المعلومات التي يتم تداولها ليست دقيقة، فالتفاوض مستمر والامور مفتوحة على كل الاحتمالات». واكدت «انّ أمر عدم مشاركة «القوات» في الحكومة غير مطروح إطلاقاً، فالمطروح راهناً هو ان نستطيع الحصول على التمثيل المطلوب». كذلك اكدت انه «لا يمكن التوصّل الى حكومة الّا من خلال تنازلات متبادلة، وبالتالي هذا ما يحصل اليوم. لذلك نحن ذاهبون الى حكومة «لا غالب ولا مغلوب»، حكومة متوازنة لا يستطيع أحد ان يقول فيها انه انتصر، بدليل انتفاء الشروط وإزالة السقوف التي كانت موضوعة في السابق. ونحن امام ساعات مفصلية من المفاوضات، وطبعاً عندما نحصل على اجوبة نهائية على أفكار نطرحها وتطرح علينا، نعلن انتهاء المفاوضات».
«التيار»
من جهتها، مصادر «التيار الوطني الحر» قالت لـ«الجمهورية» انّ «التيار» حقّق في الحكومة العتيدة ما يريده، سواء من حيث توزيع الحصص أو احترام المعايير. وما نتطلّع اليه اليوم هو ان تكون الحكومة منتجة وفاعلة وقد اصبحت الارضية بالنسبة إلينا مهيّأة، لذلك هناك ملفات حيوية عدة وتتطلب المعالجة السريعة».
عون
وفي المواقف، شدّد رئيس الجمهورية على انّ «الملف الحكومي له الاولوية في الوقت الراهن»، آملاً في «ان تؤلف الحكومة في أسرع وقت لكي تنصرف الى مواجهة التحديات المختلفة، وفي مقدمها التحديات الاقتصادية».
بري
بدوره، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري من جنيف «انّ التقدم جار على قدم وساق، وقريباً، وعسى ولعلّ. صار الفول موجود والمكيول موجود، لربما إن شاء الله يتم هذا الامر».
جنبلاط
وضمّ رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط صوته «الى صوت الرئيس بري والى جميع الحريصين مثله»، مشدداً على «انّ الاسراع في تشكيل الوزارة اكثر من ضروري، لأّن الوضع الاقتصادي فوق كل اعتبار».
النواب السنّة
من جهته «لقاء النواب السنة المستقلين» اعتبر «أنّ إصرار الرئيس المكلف على احتكار التمثيل السني، يخالف نتائج الانتخابات النيابية وما أجمعَت عليه كل القوى من ضرورة تأليف حكومة وحدة وطنية يتمثّل فيها الجميع». وشدد اللقاء على «انّ أي استبعاد لتمثيله هو محاولة فظّة لفرض أحادية تحمل مخاطر على مستقبل الوطن، وتمنع احترام التعددية في أي مكوّن وطني».