فيما بَدا من تصريحات جنبلاط وارسلان انّ عقدة الوزير الدرزي الثالث في الحصة الدرزية لم تتماثل الى الحل بعد، قالت مصادر رفيعة تتابع عملية التأليف لـ«الجمهورية» انّ الحريري، وبعد لقائه الاول مع باسيل مساء أمس الاول، أجرى جولة ثانية من المشاورات واستكملها مساء أمس بدخوله مع باسيل في مزيد من التفاصيل، خصوصاً لجهة ما يتصل بتوزيع الحقائب الوزارية على القوى السياسية بعدما حُسم توزيع الحصص.
ولم تستبعد المصادر ان يحتاج الحريري يوماً او اثنين إضافيين قبل أن يزور قصر بعبدا، خصوصاً انه يصرّ على ان يحمل الى رئيس الجمهورية مسودة تشكيلة وزارية شبه نهائية لا تحتاج الّا الى جوجلة أخيرة و«رتوش»، بحيث تكون كاملة في الحقائب والأسماء.
وكشفت المصادر نفسها انه لم يعد هناك من عقد أمام التأليف لا درزية ولا «قواتية» ولا سنّية، وأن ما يحصل هو أخذ ورد حول مسألة توزيع بعض الحقائب (ومنها الاشغال العامة والعدل).
ففي الشأن الدرزي بات محسوماً انّ الدرزي الثالث لن يكون لإرسلان الذي أُعدّ له مخرج لائق عبر استقباله في القصر الجمهوري و«بيت الوسط».
امّا المصالحة بينه وبين جنبلاط فستأتي بعد تشكيل الحكومة، وسيكون الوزير الدرزي الثالث قريباً جداً من جنبلاط ومتوافَق عليه من الجميع.
كذلك حُسمت حصة «القوات اللبنانية» بـ 4 وزراء بينهم نائب رئيس حكومة من دون حقيبة، و3 حقائب يتمّ التداول في شأنها. ولا يزال احتمال إسناد حقيبة وزارة العدل إليها وارداً جداً.
وقالت المصادر انه بالنسبة الى المقعد الوزاري للسنّة المستقلين من خارج تيار «المستقبل»، فإنّ هذا الامر لم يشكّل مرة عقدة في حسابات الرئيس المكلف، وهو يؤكد دائماً انه لن يكون عقبة امام التأليف الحكومي.
وسألت «الجمهورية» مرجعاً سياسياً رفيعاً عن سبب تأخير ولادة الحكومة هذا ما دام حل العقد لم يكن بهذه الصعوبة؟ فكرر القول: «أنظروا الى العراق»، ودعا الى «ترقّب المسار السياسي هناك لتلمّس ولادة الحكومة في لبنان».
وتوقّع «تزامناً بين ولادة الحكومتين في لبنان والعراق»، علماً انّ بغداد اعلنت انّ حكومتها ستعلن خلال 72 ساعة.
وقلّل المرجع من أهمية ما يتردد من انّ ما يحصل في السعودية والعقوبات على «حزب الله» لهما علاقة بالاسراع في تأليف الحكومة، وقال: «من الاساس ومنذ 3 اسابيع حان وقت ولادة الحكومة قبل أواخر تشرين الاول».
على انّ مصادر سياسية أخرى قالت لـ«الجمهورية»: «يبدو انّ ضوءاً اخضر ما جاء من خارج الحدود الى مختلف الاطراف، ما يعزز من نسبة ولادة الحكومة في خلال ايام، الا اذا برز تطور ما ليس في الحسبان».
ولاحظت انّ التطورات المتسارعة على جبهة التأليف تظهر أنّ الحل ـ التسوية يحصل على طريقة: «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم».
واعتبرت «انّ كلمة السر وصلت الى «حزب الله» فتحرّك مُستعجلاً رئيس الجمهورية ورئيس «التيار الوطني الحر» الاسراع في حل العقد المُعيقة تأليف الحكومة».
«القوات»
وكانت «القوات» أقرّت بأنّ الامور تتقدم، لكنها اكدت «انّ عملية التفاوض مستمرة ولا شيء نهائياً بعد». وقالت مصادرها لـ«الجمهورية»: «لا شك في انّ ما تحقق حتى اللحظة ليس بقليل، لكن الامور لم تنتهِ. فالتفاوض لا يزال مستمراً، والفارق بين الامس واليوم هو انّ هناك نفساً ايجابياً وجوّاً مختلفاً وقراراً بإزالة كل العقد بروح ايجابية واتجاهاً الى تشكيل حكومة متوازنة، وبالتالي فإنّ التفاوض يحصل تحت هذه العنوانين والقواعد والتفاوض والاتجاه العام، لكننا لا نستطيع القول انّ الامور انتهت».
حل العقدة الدرزية
وكانت المشاورات نشطت على خطّي قصر بعبدا و«بيت الوسط»، وشهد القصر الجمهوري محاولة لحل العقدة الدرزية نهائياً، فاستقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفد كتلة «ضمانة الجبل» برئاسة الوزير طلال ارسلان، وبعده رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» النئاب وليد جنبلاط، اللذين سلّما إليه لائحتين، في كل واحدة منهما 5 اسماء مقترحة ليتم اختيار احدها ليكون الوزير الدرزي الثالث.
لا أسماء مشتركة
وفي الوقت الذي كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ اللائحتين لم تتضمنا أي إسم مشترك، وهو ما أظهر الهوّة «السحيقة» التي تفصل في العلاقة بين جنبلاط وارسلان، علمت «الجمهورية» انّ ما جرى مردّه الى انّ جنبلاط استشرفَ باكراً ما ضمّته لائحة ارسلان، فتقصّد عدم الإشارة الى ايّ من الأسماء التي يمكن ان تكون على لائحته، على رغم كثرة الأسماء والشخصيات التي تشكل مثل هذه الحالة.
وعن احتمال ان يقود هذه الامر الى عقدة جديدة، قالت مصادر شاركت في صَوغ آلية الحل للعقدة الدرزية: «على العكس، لقد فتح ذلك الباب امام مخرج آخر. فالإتفاق لم يلحظ اي شرط لربط الإسم الممكن طرحه للمقعد الثالث بمضمون اللائحتين، إلّا إذا حصل ذلك فسيكون خيراً. وان حصل العكس كما جرى في الأمس، فالأسماء المطروحة للحل متعددة، وأبرزها التوجّه الى تسمية نبيل ابو ضرغم نجل اللواء المرحوم محمود طي ابو ضرغم من بلدة كفرحيم، على رغم وجوده على لائحة جنبلاط فقط، رغم انه يتمتّع ومعه عائلته بعلاقة مميزة مع خلدة والمختارة.
تجدر الإشارة الى انّ الأسماء التي اقترحها جنبلاط ،هي: غسان عساف، فايز رسامني، عدنان العريضي، نبيل ابو ضرغم ورياض شديد.
وقال جنبلاط انه «لا بد من تسوية»، مشيراً الى انه سلّم عون لائحة بالحل في ما خصّ الوزير الدرزي الثالث، و«القرار يعود الى الرئيس عون في هذا الشأن».
وقال: «نُفضّل ونُصرّ على وزارة التربية، ولا نريد وزارة عليها خلافات، ونريد أن نبتعد عن الخلافات بالاضافة الى وزارة ثانية باستثناء البيئة والمهجرين التي انتهى ملفها ويجب إقفالها».
واكد جنبلاط ان لا علم له بلقاء بينه وبين ارسلان، مشدداً على وجوب «حل قضية الشويفات وتسليم المطلوب أمين السوقي الى القضاء، وهو مُحتضن اليوم لدى علي المملوك، واذا تمّ الإتيان بالإثنين معاً يكون أفضل».
إرسلان
من جهته اعلن ارسلان تمسّك كتلة «نواب ضمانة الجبل» بحقها بالتمثيل الدرزي في الحكومة، واكد انه «مع التسهيل، لكن ليس على قاعدة الإلغاء».
وقالت مصادر واسعة الإطلاع انّ جنبلاط الذي سيحتفظ كما يبدو بحقيبة وزارة التربية، هالَهُ أمس ما بلغه من انّ رغبته بحقيبة الزراعة غير ممكنة، فقد التزم الحريري مسبقاً بها للثنائي الشيعي، وهو ما جعله يوفد النائب وائل ابو فاعور الى «بيت الوسط» عصر أمس لإبلاغه رفضه اي حقيبة أخرى، لكنّ ردة فعله لم تعرف بعدما عرضت وزارة الإقتصاد عليه بدلاً منها.
وكان الحريري التقى الوزير علي حسن خليل، قبل ان يجتمع مجدّداً في المساء مع باسيل.
«لبنان القوي»
وفي المواقف، تحدث تكتل «لبنان القوي» عن اندفاع في اتجاه التشكيل معلناً انه من جهته يسهّل قدر الإمكان. واكد انه لا يهمه أن يضمن ولادة الحكومة في أسرع وقت، بل يهمه «أن يضمن للبنانيين أن تكون الحكومة مُنتجة. الأهم هو إنتاجية الحكومة، ويظهر ذلك من خلال نوعية الوزراء وكفاءتهم والثقة التي سيوحونها للقوى الإقتصادية في البلد، ومن خلال التوافق بين الكتل الأساسية الموجودة في الحكومة على الملفات الأساسية، مثل النزوح السوري ومكافحة الفساد».
وأكد «انّ يده ستكون ممدودة للجميع، وسنبذل جهدنا لإبعاد المتاريس السياسية عن الحكومة».
«المستقبل»
من جهتها، أبدَت كتلة «المستقبل» ارتياحها الى تطورات الساعات الاخيرة، وعوّلت على استمرار أجواء التفاؤل وعلى جهود الحريري «وصولاً الى صيغة حكومية تكون محلّ أوسع توافق ممكن، ومحلّ ثقة اللبنانيين». وأعلنت تمسكها بالتسوية السياسية، مؤكدة انها «كسرت جدار تعطيل الانتخابات الرئاسية وفتحت الطريق امام انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، ومن دونها لكانت البلاد حتى اليوم أسيرة العمل بتعليق العمل بالدستور».
«الكتائب»
وفي هذه الاجواء، قدّم رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، باسم كتلة نواب الكتائب، إقتراح قانون يرمي إلى إلغاء تعويضات النواب السابقين مدى الحياة.
وقال الجميّل: «حاولنا تقديم اقتراح علميّ استندنا فيه إلى تجارب في دول أخرى، إنطلاقاً من منطق أنّ هناك ضرورة لإعطاء النائب فترة سنة واحدة بعد انتهاء ولايته لتأهيل نفسه والدخول مجدداً إلى سوق العمل، وبدل حصول النائب السابق على راتب كامل لمدى الحياة يقضي الاقتراح المقدّم أن يحصل النائب على 75% من الراتب لفترة سنة واحدة فقط كمرحلة انتقالية، وبعدها يتوقّف راتبه».
وقالت مصادر كتائبية لـ«الجمهورية» انّ الاقتراح الكتائبي الذي قدمه رئيس الحزب «هو جزء من التصوّر الاصلاحي الذي وضعه الحزب ويعمل على تنفيذه من اي موقع مسؤول يتولّاه، ونتمنى ان تسلك الحكومة المقبلة المنهج الاصلاحي المطلوب من خلال وضع سياسة تقشّفية تساهم في إخراج الخزينة من أزماتها المتصاعدة، ولن نتساهل في هذه المسألة تحت اي ظرف من الظروف».
وأضافت المصادر: «رغم انّ الكتائب لا تريد إصدار حكم مسبق على الحكومة المقبلة قبل تأليفها وقبل الاطلاع على بيانها الوزاري وقبل بدئها بالعمل، الّا انّ تطبيق مقولة انّ «المكتوب يُقرأ من عنوانه» لا تبشّر بالخير، في ضوء النزاعات على الحصص والاحجام التي ترافق التأليف، وفي غياب تصوّر واضح للمشروع السياسي الذي على أساسه يشارك من يشارك ويعارض من يعارض».