لم نعلم حتى الآن ما هي جريمة الصحافي السعودي جمال خاشقجي، هل هو مُنشقٌ عن النظام الملكي الذي خدمه طوال حياته المهنية والصحافية؟ أم هو فردٌ ناقمٌ على سياسة ونهج وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان؟ وهل بات حكمهُ حُكم المُرتدّ ليُهدر دمهُ بعد أن استقرّ في الولايات المتحدة الأميركية، واضعاً إمكاناته وخبراته الصحفية والدبلوماسية والسياسية في خدمة الأميركي "المُتعجرف"، والذي لا يتورّع عن تقريع المملكة السعودية جهاراً نهاراً، مُعلناً وصايته عليها، وما عليها سوى أن تدفع (مالاً، وما تيسّر من كرامة مهدورة).
أسئلة تُطرح، ومصير الرجل ما زال غامضاً، فهل لحق بزملائه المفكّرين والصحافيين الذين قضوا غيلةً بسببب آرائهم وتوجُّهاتهم، بدءاً من كامل مرُوة وسليم اللوزي ورياض طه وحسين مروة وناجي العلي وفرج فودة، وصولاً إلى سمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي وناهض حتر (وتبقى القائمة طويلة). أم إنّ اختفاءه سيضُمّه إلى قافلة المُغيّبين قسراً في السجون التي تملأ الرحب في العالم العربي والإسلامي، مُخلّفةً الرُّعب والاستبداد والتّخلُّف، كان الذي أطلق النار على الأديب العالمي نجيب محفوظ قد اعترف بجهله التام بكتابات محفوظ، والأغلب أنّه أُمّي لا يقرأ ولا يكتب، وكان الروائي وأستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر رشيد ميموني قد كتب عام 1993 "قد يقتلوني في أيّة لحظة"، وذلك بعد مصرع خمسة مُفكّرين من أصدقائه، وكان الصحافي والمُفكر اللبناني سمير قصير يعلم أنّه سيُقتل طالما هو مُعارض للنظام السوري بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كذلك كان رئيس تحرير صحيفة النهار جبران تويني يعلم أنّه سيُغتال ما إن تطأ قدماه أرض لبنان، فهل كان الخاشقجي يعلم أنّه سيُقتل (أو يختفي) ما إن تطأ قدماه "حرماً" سعودياً، حيث يحرُم القتل والعنف والتّقييد؟
رُبّما تُذكّر محنة خاشقجي بما كان من أمر عُيينة بن حصن حين هتّوهُ بارتداده عن الإسلام وقالوا: أي عدو الله، أكفرت بعد إيمانك؟ فقال السيد الغطفاني وهو يرسُف في أغلاله، وغلمان المدينة ينخسونه بالجريد: والله ما كنتُ آمنتُ بالله قط. فأقسم بما لم يؤمن به، تُرى، ما هو القسم الذي على خاشقجي أن يتلوه وهو يرسُف في أغلاله، أم أنّ الأمر قد قُضي واللهُ المُستعان.
إقرأ أيضًا: سجلاّت الحرب الأهلية السوداء وسجلات القوات البيضاء