قبل فترة، برزت ملامح جدّية لتشكيل الحكومة بعد طول انتظار وإطالة في المفاوضات. ما أوضح هذه الملامح، الاتصال الذي أجراه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله برئيس الجمهورية ميشال عون، وقد تخلله بحث في مسألة تشكيل الحكومة وضرورة تسهيل تشكيلها. ارتبطت الايجابيات يومها بجملة معطيات، حاجة الحزب إلى تشكيل الحكومة قبل العقوبات على إيران، والإارتكاز إلى وجود حكومة وحدة وطنية يتمثّل فيها الجميع، تشكل غطاءً أساسياً لحزب الله في هذه المرحلة الحرجة إقليمياً، وارتبطت الايجابيات بالتسوية التي حصلت في العراق وأدت إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتسمية رئيس للحكومة. لكن الخلاف المسيحي بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر هو الذي أخّر ولادة الحكومة حينها، من دون إغفال التفاصيل اللبنانية.
استمرت الاتصالات والضغوط المحلية والدولية، وأجرى الرئيس المكلف سعد الحريري سلسلة اتصالات هدفت إلى تذليل العقبات أمام الولادة الحكومية، لكن مساعيه الايجابية اصطدمت بمعارضة الوزير جبران باسيل ورفعه سقف مطابله. يوم السبت الفائت، التقى باسيل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، وذلك بعد زيارته أرمينيا للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي شدد على وجوب إنجاز التشكيلة الحكومية قريباً لتحصين التسوية في لبنان، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي للوصول إلى القدرة على تطبيق مندرجات مؤتمر سيدر. وهنا، لا يمكن فصل التلاقي الموضوعي والسياسي بين حزب الله والفرنسيين بشأن ضرورة تشكيل الحكومة. وهذا التلاقي سيكون له صدى مستقبلاً على صعيد العلاقات الفرنسية الإيرانية.
لقاء نصرالله وباسيل كان إيجابياً جداً بالمعنى الاستراتيجي، إذ شكر الأول الثاني على مواقفه الداعمة لحزب الله بوجه الضغوط التي يتعرّض لها، وتمنّى عليه العمل سريعاً لإنجاز التشكيلة الحكومية وحفظ تمثيل الجميع والحرص على عدم الغاء أي طرف. وهناك من يشير إلى أن نصرالله تدخل مع باسيل لعدم المطالبة بوزارة الأشغال المحسومة لمصلحة تيار المردة، خصوصاً أن حزب الله لا يريد أن يطعن حليفه الأساسي أيضاً سليمان فرنجية. بالتأكيد، أسهم اللقاء بشكل إيجابي جداً في تفعيل عملية التشكيل، وملاقاة الايجابية التي أطلقها الحريري قبل أيام.
صحيح أن باسيل استمر في مواقفه التصعيدية، لكنه في مجالسه الخاصة كان يشير إلى أن هدف مواقفه يصب في خانة تسريع التشكيل، وأنه يريد إيجاد توازن مع القوات، لدفعها إلى الاقتناع بما عرض عليها. وبينما يستعد الحريري لزيارة رئيس الجمهورية وتقديم صيغة جديدة له يوافق عليه الجميع. أجرى الحريري سلسلة لقاءات واتصالات جديدة، هدفت إلى بلورة الصيغة وتذليل العقبات من أمام الولادة الحكومية.
وقد استمرت الاتصالات في بيت الوسط حتى ساعة متأخرة من الليل، بعدما التقى الحريري كلاً من النائب طلال ارسلان، الذي أعلن تنازله عن توزيره وتوزير أي شخص ينتمي إلى الحزب الديمقراطي اللبناني. وقد أعلن ارسلان استعداده للقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط برعاية الحريري. وهذا تنازل من جانب ارسلان سيلاقيه جنبلاط بإيجابية مماثلة، في الساعات المقبلة.
والتقى الحريري الوزير ملحم الرياشي للبحث في صيغة ترضي القوات. وتكرر الأمر مع النائب وائل أبو فاعور. واختتم الحريري لقاءاته بالوزير باسيل وجرى عرض لمجمل الصيغ والعروض، التي من المفترض أن يبلورها الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية. ولا تخفي المصادر أن البحث تخطى مسألة الحصص ودخل في الحقائب والأسماء.
ما تبقّى عالقاً هو نقاط تفصيلية بشأن الحقائب، على قاعدة مطالبة بعض الأفرقاء بالحقاب ئنفسها. وهذا يدخل في إطار الشدّ في الساعات الأخيرة ما قبل الولادة. إذ استمرت القوات بالمطالبة بوزارة العدل بدلاً من التربية، فيما طالب الحزب الاشتراكي بالتربية بدلاً من الصحة، بعدما حسمت وزارة الصحة لحزب الله. وفيما كان الجدل يدور حول وزارة الأشغال بين التيار الوطني الحر وتيار المردة، اعتبرت مصادر المردة أن لا تخلي عن الأشغال إلا مقابل وزارة الطاقة. وتفيد مصادر متابعة أن الجدل حسم بحيث تبقى الأشغال من حصة المردة. وعليه فإذا ما استمرت الأجواء على هذه الإيجابية، يعني أن قطار ولادة الحكومة يكاد يصل إلى محطته الأخيرة.