ـ الإتجاه الأول، أن ينجح الرئيس المكلف سعد الحريري متكئاً على بصيص ضوء خارجي ما، في تأليف الحكومة الجديدة، إذ قد لا يكون واضحاً أمامه الضوء الاخضر الذي يحتاج إليه، ولكنه يرى بصيص أمل يمكّنه من خوض مغامرة تأليف الحكومة غير متوقف عن العوامل الخارجية.
ـ الإتجاه الثاني، ألّا يتمكن الحريري من الاستمرار في تكليفه لعجزه عن تأليف الحكومة، وبالتالي الذهاب الى الاعتذار عن التأليف، خصوصاً انه قد مهّد الأمر لخيار من هذا النوع عندما لوّح اخيراً وعلناً بأنه اذا اعتذر عن التأليف لن يعود مجدداً حتى ولو أُعيد تكليفه.
وفي حال اتخذ الرجل مثل هذا الخيار، فسيكون قراره كبيراً ينقل البلاد الى واقع آخر يستوجب الذهاب الى تكليف شخصية سياسية أخرى تأليف الحكومة، البعض يراها الرئيس السابق نجيب ميقاتي كونه يشكل في رأيهم الخيار الجدي البديل للحريري في رئاسة الحكومة.
لكنّ سياسيين معنيين بتأليف الحكومة كانوا ولا زالوا يعتقدون، بل يذهبون الى حدود التأكيد، انّ الحريري لا مصلحة له بالاعتذار، وانّ تلويحه به هو من باب تحريض الافرقاء السياسيين على تخفيض سقوف مطالبهم بما يمكّنه من تأليف التشكيلة الوزارية الوفاقية التي يريد. كذلك يرى هؤلاء انّ مصلحة الحريري الحيوية المرحلية والاستراتيجية، بعد كل ما جرى معه والمراحل التي مرّ بها منذ إسقاط حكومته مطلع عام 2011، هي تأليف الحكومة الجديدة والبقاء طويلاً في الرئاسة الثالثة، لأنه لا يستطيع ان يتحمّل سياسياً، وخصوصاً في هذه المرحلة اللبنانية والاقليمية والدولية الدقيقة، أن يكون خارج السلطة التنفيذية، إذ انه في حال أقدمَ على الاعتذار «يكون كمَن انتحر سياسياً»، على حد تعبير السياسيين أنفسهم.
ولذلك، يقول هؤلاء انّ الحريري يعمل لتأمين، ولَو خيط رفيع وليس جسراً، ليعبر عليه الى تأليف الحكومة، وهذا الخيط يساعده عليه الجانب الفرنسي بالتفاهم مع المملكة العربية السعودية، التي يبدو انّ انشغالتها الاقليمية ما تزال طاغية على اهتماماتها اللبنانية.
وقد تعاظمت هذه الانشغالات في ضوء قضية الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، علماً انّ التواصل قائم بينها وبين الحريري، ولكن ليس في المستوى الذي يطمح اليه الاخير منذ تسوية الازمة التي نجمت عن استقالته في الرياض خريف 2017، وتراجعه عنها لاحقاً بعد عودته الى بيروت نتيجة مسعى فرنسي بينه وبين القيادة السعودية.
ويؤكد السياسيون انفسهم انّ الفرنسيين يعملون لتمكين الحريري من تأليف الحكومة منذ ما قبل قمّة يريفان الأخيرة بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ونظيره اللبناني العماد ميشال عون، وتحديداً منذ ان شاع قبل أسابيع عن وجود «مبادرة فرنسية» سارعَت باريس الى نَفي وجودها، ليتبيّن لاحقاً انّ في الامر تحركاً فرنسياً يتحسّس مخاطر تهدّد مقررات مؤتمر سيدر الخاص بلبنان، في حال استمر التأخّر في تأليف حكومة لبنانية مكتملة دستورياً تضطلع بالموجبات التي تتطلّبها تلك المقررات، لِما لها من تأثير إيجابي على مستقبل لبنان المالي والاقتصادي.
وقد كان الفرنسيون حريصون على إطلاع الحريري على نتائج قمة يريفان، والتي بدا واضحاً انهم شجعوا خلالها بقوة على الاستعجال في تأليف الحكومة لتجنيب لبنان مخاطر تعرّض استقراره نتيجة ما يدور على ساحة المنطقة من حروب وتسويات، فضلاً عن مخاطر تعرّض قرارات مؤتمر «سيدر» للالغاء.
على انّ السياسيين أنفسهم يعتبرون انّ ما يحصل في المنطقة قد يشجع أكثر فأكثر على الاستعجال في تأليف الحكومة، وان كان بعض الافرقاء السياسيين ينظر اليه بعدم ارتياح، فهناك منطقة تشكّل من جديد، ومن عناوينها:
- زيارة وزير الخارجية العراقية لسوريا.
- إفتتاح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والاردن، مع ما يعنيه هذا الأمر من عودة التواصل البَرّي بين سوريا والاردن ودول الخليج العربي.
- الإتفاق على انهاء الوضع العسكري في إدلب بما يطلق الحل السياسي للأزمة السورية.
- الانشغال العالمي بقضية الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، وانصباب اهتمام المملكة العربية السعودية عليها بما يُبعدها عن الاهتمام بكثير من القضايا، ومنها لبنان.
علماً انّ الرياض كانت قبل بروز قضية الخاشقجي قد خلقت بعض المناخات المساعدة للحريري على الاسراع في تأليف الحكومة في أقرب وقت، ولكن بعد تلك القضية وما تثيره إقليمياً ودولياً، بدأت تركز اهتمامها على استيعاب ما هو حاصل، خصوصاً بعدما بدأت تقرأ في بعض المواقف الاقليمية والدولية ما يدفعها الى تغيير بعض من خياراتها الداخلية والخارجية.
ـ إنشغال ايران بمواجهة العقوبات الاميركية الجديدة الحالية، وتلك التي سيبدأ تطبيقها في 4 تشرين الثاني المقبل.
وفي ضوء كل هذه التطورات، بدأت الاتصالات تنشط وبوتيرة أسرع مما كانت عليه في الايام المنصرمة، بما يوحي انّ ثمة إرادة، أقله لدى الحريري وبعض الافرقاء السياسيين، في تأليف الحكومة في خلال ايام.