أجمع زوار عون والحريري في الساعات الأخيرة، على تأكيدهما الحاجة الى تأليف الحكومة العتيدة في الأيام القليلة المقبلة قبل أن تدخل البلاد حقل الألغام المنتظر مطلع الشهر المقبل عند بدء المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران وحلفائها في المنطقة ولا سيما منهم «حزب الله» الذي خصّص له قانون جديد يزيد من الحصار المفروض عليه والسعي الى تجفيف مصادر تمويله.
ولا تقف المخاوف عند هذه الحدود المتوقعة من التوجّهات الأميركية الجديدة المتشدّدة. فهناك مخاوف جدّية من عقوبات إضافية تزيد الطين بلّة عندما تستهدف مسؤولين لبنانيين في موقع المسؤولية ربطاً بالتصرفات الأخيرة التي أخرجت لبنان عن سكّة «النأي بالنفس» التي وعدت حكومة تصريف الأعمال بالأخذ بها وتطبيقها عقب أزمة الحريري في الرياض قبل عام تقريباً والتسوية التي انتهت اليها وشارك فيها الرئيس الفرنسي وعواصم غربية وأخرجته من هناك.
على هذه الخلفيات، لم يلاحظ المراقبون سوى فوارق بسيطة خلال المقارنة بين توقعات عون والحريري من اللقاء المنتظر بينهما. فعون ينتظر من الحريري تشكيلة جديدة تأخذ في الإعتبار النقاط التي تمّ التفاهم عليها في اللقاء بينهما عشية إطلالته التلفزيونة المتفائلة وقبيل أيام على سفر رئيس الجمهورية الى يريفان، على أن يُظهّر بعد عودته ما تمّ التفاهم عليه وترجمته.
ففي ذلك اللقاء تكرّس التفاهم الأخير على الحصص التي كانت موضع الخلاف، وبرز ذلك جلياً عند ترجمة تفاهم سابق أقرّ آليةً منطقيّة لعملية التأليف تبدأ بالإتفاق على توزيع الحصص بين القوى الأكثر تمثيلاً بما يرضيها في السباق، الى تقاسم الحقائب وتصنيفها بين سيادية وخدماتية وأساسية وعادية. وإذا بقي بعض الحقائب فتوزَّع على البقية.
وذكرت المعلومات أنّ عون أثلج صدر الحريري وأراحه في مفاوضاته مع «القوات اللبنانية» عندما أعاد اليها موقع نيابة رئاسة الحكومة ولو من دون حقيبة وثلاث حقائب أخرى إحداها خدماتية والاثنتان المتبقيتان عاديتان، وهو ما عُدّ خرقاً ايجابياً مهما ترافق ومعلومات عن صيغة لإخراج أزمة تمثيل الوزير الدرزي الثالث من عنق الزجاجة وإعطاء حقّ التسمية في شأنه الى ثلاثي عين التينة وبيت الوسط والمختارة على أن لا يخرج عن رضى رئيس الجمهورية وموافقته، وتجاهل ما سمّي عقدة تمثيل «نواب سنّة 8 آذار» على رغم بقاء الخلاف على حقيبة تيار «المردة» التي وضعت في جانب منها في براد التسوية حين برز اقتراح بوضعها في سلّة التفاهم بين «حزب الله» و«المردة» بتبادل الحقائب بين «الصحة» و«الأشغال العامة والنقل» إن برزت أزمة ما.
وكل ذلك يجري على خلفية قرار «حزب الله» باستعجال التسوية الحكومية، فإن ثبت له أنّ إعطاءَه حقيبة الصحة خطوة تستفزّ المجتمع الدولي والدول المانحة فيمكن له عندها أن يتبادلها مع «المردة» وهو طرحٌ تناولته المفاوضات الأخيرة ويبشر بمخرج مقبول.
كذلك سيفرض أمراً واقعاً يستدعي من المعترضين التراجع والموافقة على التبادل، ولو على مضض، مخافة أن توضع حقيبة «الأشغال» في ميزان التبادل بين التيارَين «البرتقالي» و«الفستقي» مع الطاقة وهو أمر برزت في شأنه إشاراتُ موافقة مبدئية ضاغطة على المعترضين من عين التينة و«بيت الوسط» و«حزب الله» إن تمادوا في رفض الخيار الأول.
وإذ برز في الأيام الماضية أنّ كل هذه الحلول عالقة في مصيدة مواقف الوزير جبران باسيل الذي وسّع بيكار إنتقاداته القاسية في اتّجاه اكثر من طرف دفعة واحدة، فإنّ الرهان الذي ظهر في «بيت الوسط» بات محصوراً في التمايز الذي يرغب به الرئيس المكلف ويتمناه بين ما يراه رئيس الجمهورية ممكناً وبين ما يطالب به باسيل، وبالتالي تكون هذه المعادلة الجديدة قد وضعت مواقف باسيل وردات الفعل الحامية عليها من باقي الأطراف في سلّة مواقف «ربع الساعة الأخيرة»، ولا تستهدف تعقيد مهمة الرئيس المكلف لمجرد الإيحاء أنّ هناك مَن يشكّل الحكومة نيابة عنه وعن رئيس الجمهورية.
وعليه، يتّفق المراقبون على ضرورة التيقّن من أنّ مواقف عون هي غير موقف باسيل لتتزخّم الاتّصالات في الأيام والساعات المقبلة، فرئيس مجلس النواب نبيه بري جدّد التأكيد من سويسرا أنه على استعداد لاختصار مشاركته في المؤتمر البرلماني الدولي إن استدعت الحاجة مشاركته في تظهير التشكيلة الوزارية الجديدة.
عند هذه النقاط والمعادلات الجديدة تركّزت اتّصالات الأيام الأخيرة بغية ترجمتها وقائع ملموسة. فبعد طول انتظار شهدت عطلة نهاية الأسبوع اتّصالات كان لولبها الوزير غطاس خوري العائد من رفقة رئيس الجمهورية الى يريفان والذي وسّع نطاقها لتشمل الى الوزيرين باسيل وملحم الرياشي النائب وائل ابو فاعور، فيما كانت خطوط أخرى مفتوحة بين بري و«حزب الله» لتصبّ كلها في ما هو مأمول وهو تأليف الحكومة قبل نهاية الشهر الجاري.
ولذلك يراهن الجميع على لقاء عون والحريري ليؤلّفا الحكومة دون سواهما، ومن الثابت أنّ الجميع يحتاجون الى سقف الحكومة السياسي والدستوري.