إعتقد الحريري أنّ التمريرة التي وجّهها رئيس الجمهورية ميشال عون بتجيير موقع نيابة رئيس الحكومة إلى «القوات اللبنانية» كافية لتكرّ سبحة معالجات بقية العِقد.
وإذ تبيّن أنّ الأمور لا تزال في مربّعها الأول، على رغم التقدّم النسبي الحاصل، لا بل تزداد كثافة الغبار حول حقيبة وزارة الأشغال العامة والنقل، بعد الحملة التي قرّر «التيّار الوطني الحرّ» خوضها، ولو متأخراً، ضدّ تيّار «المردة» لتجريده من الحقيبة، تارةً تحت عنوان تقصير الوزير يوسف فنيانوس في وضع خطّة للنقل العام، مع أنّ سجلات الأمانة العامة لمجلس الوزراء تُظهر في وضوح أنّ الحكومة أقرّت خطة للنقل العام.. وطوراً بحجة حجم تيّار «المردة» النيابي الذي لا يسمح له بالإحتفاظ بحقيبة دسمة كتلك التي تمثلها «الأشغال».
وفي مطلق الحالات، تدلّ المؤشّرات الى أنّ حقيبة «الذهب الأسود» صارت ضمن «بنك أهداف» تصعيد رئيس «التيّار الوطني الحرّ» جبران باسيل الحكوميّ، بلغت حدّ تلويح أحد النواب العونيين بعدم تأليف الحكومة في حال بقيت «الأشغال» ضمن حصّة «المردة». وبالتالي، أضاف باسيل عقدة جديدة إلى مسلسل العُقَد العالقة التي باتت تحتاج إلى جهود استثنائية لمعالجتها.
في موازاة هذا الجمود، لا يزال «حزب الله» يقف على مسافة من «حلبة الملاكمة» الحكومية، حيث اكتفى الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله بالتنبيه الى مخاطر الشغور وتداعياته والاكتفاء بتصريف الأعمال. لكن فعلياً، لا يمارس الحزب أي ضغط جدّي لتسريع المشاورات.
سبق للسيّد نصر الله أن حسمها سلباً، وبدا متشائماً إلى حدّ القول إنّه لا يرى حكومة في المدى القريب. وهذا ما أثبتته التطورات التي لم تُخرج الحكومة من عنق التعطيل.
وفي جردة لخطابات الأمين العام منذ بدء مشاورات التأليف، يتبيّن أنّ نصر الله تدرّج في مواقفه من التشجيع على تأليف الحكومة وفق قاعدة النسبية لنتائج الإنتخابات النيابية، إلى نفض يديه من مسعى جدّي قد يقوم به الحزب لتأليف الحكومة، والاكتفاء بالتشديد على تأليف حكومة وفاق وطني.
من الواضح أنّ «حزب الله» يسعى الى ان يُبعِد عنه «صفة» الإستعجال لتأليف الحكومة، كونها، القوى الإقليمية الخصمة تستخدمها ضدّه من خلال وضع العصي في الدواليب والحؤول دون تسريع المشاورات لكي تبصر حكومة سعد الحريري الثانية النور. ولهذا يتصرّف على أساس أنّ هناك مسؤوليات دستورية ملقاة على عاتق أصحابها، وهم أوْلى بالإستعجال إلى تأليف الحكومة بعد حلحلة عُقَدها التي لا تزال مكانها، في انتظار أن يتقدّم كل فريق بتنازل لا بدّ منه لكي تخرج المشاورات من نفق التعطيل.
ولهذا، فإنّ هناك من يسأل «حزب الله»: لماذا لا يضغط ولو «بالمونة» على حلفائه لكي تسهّل مهمة التأليف؟
يجيب المطلعون انّ الأسباب كثيرة وأهمّها:
- إنّ «حزب الله» مقتنع أنّ «أصل» العقدة خارجي، وحين تَبُطل هذه العقدة تصبح التفاصيل الداخلية سهلة المعالجة.
- إن «حزب الله» لا يستعجل التأليف إلّا من باب حرصه على مصالح الناس الإقتصادية والإجتماعية، وهو لا يربط تأليف الحكومة بأي تطورات إقليمية قد يخشاها ولا بعقوبات مالية قد تأتيه من الخارج، ولذا لا يسعى أبداً الى استباقها من خلال حكومة وحدة وطنية.
- إنّ «حزب الله» ليس في وارد الضغط على أي من حلفائه، لا «بالمونة» ولا بغير «المونة». هو يدرك جيداً أن لكلّ طرف اعتباراته وحساباته، وبالتالي هو غير مستعد لممارسة الضغط على أي من هذه الأطراف، وتحديداً «التيّار الوطني الحرّ» في الشق المتصل بخلافه مع «القوات» لأنّ النتيجة ستكون لمصلحة «القوات»!
كما أنّ تطور علاقته برئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بنحو ايجابي يدفعه الى «العدّ للعشرة» قبل تبني معركة توزير رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان. كما أنّه في المقابل لن يخوض نزاعاً لمنع توزير الأخير كونه حليفاً في آخر المطاف.
وبالتالي ليس من مصلحته الدخول طرفاً في أي من هذه الخلافات، وتحديداً المسيحية من باب الطلب من العونيين القيام بأي خطوة تنازلية لتأليف الحكومة. إذ كما يتصرّف «حزب الله» دوماً مع حليفه الشيعي، أي رئيس مجلس النواب نبيه بري في ترك الخصوصية لـ«أبو مصطفى» على رغم من تقاطع المصالح بين الحليفين الشيعيين، فإنّه في المقابل يترك هامش التحرّك لحليفه العوني للتصرّف في الشأن الحكومي وفق ما تقتضيه مصلحته.
ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ ليس للحزب اعتبارات وخطوطاً حمراء قد تدفعه الى التدخّل في أي لحظة، لإعادة تصويب الأمور، خصوصاً في ما يتصل بشؤون محوره السياسي. وقد يكون الخلاف «العوني» - «المردي» أحد هذه المسائل.