في هذه الحالة سجّلوا عندكم أنا وزرائي علي حسن خليل للمالية، غازي زعيتر للزراعة وعناية عز الدين للتنمية الإدارية.
جنيف- رائحة البارود السياسي المتفجّر على خط التأليف، وصلت إلى جنيف؛ قصف متبادل بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، التراشق محتدم على الخط الدرزي، وقصف برتقالي في كل الاتّجاهات، وتشهير بماضي الميليشيات، وماكينات خفيّة تفبرك من غرفها المغلقة روايات وتشكيلات حكومية ترفع أسماء وتُسقط أسماء، وتفتح بازار الحقائب وتبعثرها في هذا الاتّجاه أو ذاك، ودخان مفتعل يحجب مصير الحكومة. كل ذلك يسابق اللقاء المنتظر بين شريكي التأليف رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري.
في هذا الجوّ المسدود، يصبح الحديث عن حصول اختراق على خط التأليف، نوعاً من الافتراء على الواقع الحكومي المعقّد، انتهت مهلة الأيام العشرة التي حدّدها الرئيس المكلف، وبالتأكيد سيذهب إلى تحديد مهلة إضافية مُدخلاً نفسه في رهان جديد على خطوة يخطوها إلى الأمام في وضع سياسي لا يبشّر بتمكنه من عبور حقل الألغام التي يزرعها المتصارعون على ابتلاع الحكومة قبل أن تولد.
في هذا الجوّ، تبقى الفرضيّة الأقرب إلى الواقع أن لا حكومة في المدى المنظور، فلا العقدة المستعصية بين التيار والقوات قابلة للحلّ أو حتى لبعض ليونة من الجانبين، ولا العقدة الدرزية تمكنت من الرسوّ على مخرج ، ولا عقدة تمثيل سنّة المعارضة وجدت الطريق إلى تجاوزها بطريقة حبّية. ما يعني أنّ الصورة على حالها دون أيّ تغيير منذ انطلاق عجلات التأليف في دورتها الأولى قبل أربعة أشهر. والأصعب من كل ذلك أنّ لعبة تقاذف كرة التعطيل مازالت في ذروة انتعاشها وحيويتها. ويعزّز استمرارها على هذا النحو المنطق القائل: لا تُتعبوا أنفسكم، فلا حكومة في لبنان قبل آخر السنة.
رئيس الجمهورية يرمي الكرة في ملعب الرئيس المكلف، وينتظر ما سيقدّمه اليه، والرئيس المكلف يقول إنه لم يترك زاوية إلّا وحاول أن يدوّرها، ولكن من دون نتيجة حتى الآن.
رئيس الجمهورية يعتبر أنّ لقاءَه المقبل مع الرئيس المكلف يجب أن يكون حاسماًَ فلم يعد جائزاً تضييع المزيد من الوقت.
الرئيس المكلف يبدو وكأنه وصل إلى مفترق بين خيارين؛ إما أن يستسلم لواقع التعطيل ويتعايش معه ويملأ الفراغ باتّصالات ومشاورات لا تقدّم ولا تؤخّر، وإما أن يبقّ الحصة فعلاً، كما سبق ووعد، ويبادر الى وضع صيغة حكومية على قاعدة: «هذه حكومتي، هذا أفضل الموجود، والكرة في ملعبكم». بالتأكيد إنه بهذه الخطوة يُحدث صدمة على خط التأليف، ويحشر فيها الجميع، فهل يبادر إلى هذه الخطوة بوصفها آخر الدواء؟
قبل سفره إلى جنيف للمشاركة في المؤتمر البرلماني الدولي، رأى الرئيس نبيه بري بصيص أمل، وتناهى اليه كلامٌ إيجابي من مطبخ التأليف أوحى باقتراب لحظة إدخال الحكومة إلى غرفة الولادة. فدخل اليه الأمل في أن تبصر الحكومة النور لتأخذ على عاتقها مسؤولية إيلاء الوضع الاقتصادي ما يتطلّبه من عناية وعمليات جراحية تحدّ من اهترائه وتعيد اليه بعض النبض والحيوية، فانتظر علّه يتلقى ما يُفرح، وحتى الآن ما زال ينتظر، من دون أن يجازف بوجود إيجابية مبشرة بقرب الفرج الحكومي.
لدى سؤاله عن أخبار بيروت، يجيب سريعاً: «ولا شي».
كان بري في جوّ «أنّ الناس رح تحكي مع بعضها»، والأهم هنا هو التواصل بين رئيسي الجمهورية والحكومة. فهنا بيت القصيد. كان ينتظر أن يرده خبر من لبنان بأنّ الحريري سيزور عون، علّ هذه الزيارة تحمل البشرى بولادة الحكومة، لكنّ شيئاً من هذا لم يحصل. بل إنّ التواصل بين الرئيسين أفضى إلى موعد بينهما خلال هذا الاسبوع. وزادت الأمر غموضاً وضبابية اللغة الحربية التي فُتحت مابين التيار الوطني الحر والقوات، وما زالت في ذروة أحتدامها.
قيل لبري: ما الذي يمنع ولادة الحكومة حتى الآن؟
اجاب: الأمور واضحة لا تحتاج إلى تبصير.
ومعلوم هنا انه يرى العقدة الأساس والتي تهون بعدها سائر العقد، هي العقدة بين التيار والقوات. وسبق له أن حدّد سبيلاً وحيداً لحلّ هذه العقدة وغيرها من العقد وهو أن ينزل كل الأطراف كل عن شجرة شروطه وتصعيده إلى أرض التواضع والعقلانية والموضوعية التي توجب التحسّس بشعور المسؤولية حيال الوضع الاقتصادي المهترئ والذي يتهدّد لبنان في كل مفاصله.
قيل لبري: ماذا لو وردك خبر اتفاق الرئيسين على الحكومة؟
اجاب: قبل كل شيء المهمّ يتفقوا..
ثم يضيف: الأمر في منتهى السهولة، أحمل نفسي وأعود فوراً إلى بيروت، ولكن قبل كل شيء يجب أن يتّفقوا وعندها لا تكون هناك أيُّ مشكلة في أن أقطع زيارتي وأعود إلى بيروت.
اللوائح الحكومية التي جرى رميها على سطح المشهد الحكومي، ليست بريئة، كانت الغاية منها التشويش على الجوّ الحكومي وإشغال الناس بصيغ وهميّة لا أساس لها، واعتبرها بري مثيرةً للسخرية، وأنّ هناك مَن يتسلّى بها لملء الفراغ.
أكثر ما يثير السخرية فيها، في رأي بري، أنها سمّت وزراءه، وهنا يعلّق ساخراً: كل الناس تكشف مَن تسمّي للحكومة، وأما انا فلا أغيّر عادتي التي تعودوا عليها بأنني آخر مَن يسمّي، أي اسمي في آخر لحظة، وتحديداً عندما تُعرَض عليّ صيغة الحكومة بعد اتفاق رئيسي الجمهورية والحكومة عليها.
يعني كلام بري هذا، أنّ أحداً، أيّاً كان هذا الأحد، لأ يستطيع أن يدّعي بأنه يعرف الأسماء التي اختارها كوزارء له في الحكومة أو التي سيختارها «دعوهم يبصّروا».
هنا يروي بري واقعة حدثت خلال تشكيل الحكومة السابقة التي تصرّف الأعمال حالياً: «يوجب الدستور أن يتمّ إطلاع رئيس المجلس على الصيغة الحكومية عندما يتّفق رئيسا الجمهورية والحكومة عليها، فبعدما اتّفق الرئيسان عون والحريري على الصيغة الحكومية دُعيت إلى القصر الجمهوري لإطلاعي على التشكيلة، وبالفعل عرضها رئيس الجمهورية عليّ، وخلال استعراضي لأسماء الوزراء، لاحظت أنها حكومة ذكور لا توجد فيها أيُّ امراة، مع أنها تضمّ وزارة شؤون المرأة، وما لفتني أيضاً هو تعيين رجل لهذه الوزارة هو الوزير اوغاسابيان، فتقصدتُ أن أبدي ملاحظة طريفة: حقيقة، ونعم الاختيار. لقد اخترتم الرجل المناسب للوزارة المناسبة، هذا الاختيار في محلّه واضح أنكم اخترتم أرمنيّاً لأنه معروف أنّ الأرمن عندما يتكلمون اللغة العربية يخاطبون الرجل بـ»إنتِ»، ويخاطبون المرأة بـ»إنتَ».
يضيف بري: بعد ذلك قلت لهم، في هذه الحالة سجّلوا عندكم أنا وزرائي علي حسن خليل للمالية، غازي زعيتر للزراعة وعناية عز الدين للتنمية الإدارية. وهنا ينقل أنّ الرئيس الحريري وبعد أن أدرجت اسماء وزراء بري في التشكيلة الحكومية توجّه الى رئيس الجمهورية قائلاً: ألم أقل لك يا فخامة الرئيس أنّ نبيه «بدو يعملها فينا»؟
تؤكد هذه الواقعة أنّ أسماء وزراء نبيه بري في الحكومة لا يعرفها إلّا نبيه بري، وكل كلام حول هذا الامر او تردّد اسماء لا يعدو كونه تخمينات وهو من باب التسلية: «دعوهم يتّصلون قدر ما يشاؤون..هناك مَن يحب أن يتسلّى فليفعل ويتسلّ وقت الفراغ، والفراغ يشجّع على التسلية بأيّ شيء».
في جانب آخر، يشير بري إلى أنه من أنصار فصل النيابة عن الوزارة، ويقول: هذا الأمر ليس مستجدّات عليّ، هذا أمر عمره سنوات طويلة، ففي ما مضى، أي قبل الطايف، حصل أن كنتُ برفقة الإمام موسى الصدر في زيارة إلى المفتي الراحل الشيخ حسن خالد. ويومها عرضنا سلسلة أفكار للنقاش بيننا وبين سماحة المفتي، ومن ضمنها فصل النيابة عن الوزارة. وهذه الأفكار قد أخذ في معظمها وأُدرجت في وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بوثيقة الطائف، إلّا فكرة فصل النيابة عن الوزارة.
ويكشف بري إلى أنّ هذا الأمر كان محلّ نقاش بينه وبين رئيس الجمهورية ويقول: منذ مدة طرح عليّ رئيس الجمهورية هذه الفكرة وقال لي: هل تسير في فصل النيابة عن الوزارة؟ فقلت: أنا شخصياً لا أمانع ذلك على الاطلاق، إلّا أنّ طرحاً من هذا النوع ليصبح نافذاً ومعمولاً به يتطلّب تعديلاً دستورياً. ذلك أنّ الدستور ينص على هذا الامر، أي جواز الجمع بين الوزارة والنيابة. وبالتالي للسير نحو الفصل النهائي بين الوزارة والنيابة يجب أن يعدَّل النص الدستوري من جواز هذا الجمع إلى عدم جوازه.
ويشير بري إلى أنه عبّر لرئيس الجمهورية عن أنه يؤيّد فكرة أن يتمّ تقديم اقتراح تعديل الدستور لهذه الناحية والنص فيه على عدم الجمع بين الوزارة والنيابة، على أن يُعمل بها في الحكومة المقبلة أي الحكومة التي تلي الحكومة التي يجري تشكيلُها حالياً. والتي مع الأسف مازالت ولادتها متعسّرة.