فور انتهاء الانتخابات النيابية وصدور النتائج في أيار 2018، عمد الساسة اللبنانيون إلى ضخ أجواء إيجابية بشأن تشكيل الحكومة. كانت الأجواء التفاؤلية طاغية في تلك الفترة. وبدأ البعض يتحدث عن ولادتها في مهلة أقصاها شهر.
بعدها، بدأ يتوالى ضرب المواعيد، من عيد الفطر، إلى زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بيروت، وبعدها في عيد الجيش بالأول من آب، وفيما بعد عيدية اللبنانيين في عيد الأضحى.. وعيد التجلّي، وغيرها من المواعيد التي لم تشهد ولادة الحكومة ولا توافقاً.
وقد شارك الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري في بث التفاؤل، معتبراً أن الأجواء في البلد تتيح إنجاز التشكيل.
في المقابل، ثمة مواعيد ضربها رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي ساير الحريري في مواعيده الأولى، وبعد اكتشاف أن المواعيد تمرّ والحكومة لا تولد، ضرب مواعيد من نوع آخر وتحدث عن اللجوء إلى تحديد مواعيد ملزمة للتشكيل، او سيكون له إجراءات عملية تنتج حكومة او تعيد الأمور إلى نصابها بما ينتج دورة إطلاق العهد بعد الانتخابات.
ضرب عون موعداً فاصلاً هو الأول من أيلول، وإلا سيتحرك ويتخذ إجراءات تنجز التشكيلة الحكومية او تتعلّق بجوانب استخدام صلاحياته، كتوجيه رسالة إلى مجلس النواب.
وبين مضارب المواعيد هذه، تجلّت آراء كثيرة في كيفية التعاطي مع إطالة عملية التشكيل، كإسقاط التكليف عن الحريري بأصوات الأكثرية، او الدعوة إلى جلسة نيابية لمناقشة التعثر، او وضع مهلة زمنية للرئيس المكلف. لا أسس دستورية او قانونية لكل هذه المواعيد. هي محطات اعتاد اللبنانيون على تحديدها للارتاكز عليها في سبيل تقطيع الوقت ريثما تنجلي الصورة.
قبل أيام، خرج الحريري ضارباً موعداً جديداً للتشكيل، قال إن الحكومة قد تولد خلال عشرة أيام. ها هي الأيام العشرة تشرف على الانتهاء، فيما من المفترض أن يعقد لقاء بين عون والحريري للبحث في آخر الصيغ التي يمكن التوافق عليها. تماماً كما كانت الحال في موعد الأول من أيلول، الذي ضربه عون، فلجأ الحريري إلى ردّ الكرة إلى ملعب بعبدا بتقديمه تشكيلة حكومية، رفضها رئيس الجمهورية قبل أن يصل الحريري إلى منزله. والآن، يقدم الحريري تشكيلة جديدة، ستخضع لمزيد من النقاش والبلورة.
لا بد من التفريق بين المواعيد التي ضربها عون، وكان هدفها الضغط في سبيل التشكيل، وتحمل في طياتها بعداً تهديدياً يستند إلى رؤى متعددة بشأن إلزام الحريري بمهلة، او توجيه كتاب لمجلس النواب، او حتى إسقاط التكليف وإعادته بشروط جديدة وفق ما أعلن الوزير جبران باسيل. وهذه أخذت الأمور إلى نقاش على الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة. بينما تتضمن مواعيد الحريري شقين، الأول بث أجواء تفاؤلية والاستثمار في الوقت بالعلاقة مع المجتمع الدولي ولا سيما في إطار انتظار مؤتمر سيدر؛ والثاني مبني على معطيات خارجية بشأن إمكانية تسهيل ولادة الحكومة.
قبيل ذهاب رئيس الجمهورية إلى الأمم المتحدة، عُقد لقاء سرّي بينه وبين الحريري. هذا اللقاء أكد أن لا خلاف بين الرئيسين، وأنهما يعملان معاً لاستمرار التسوية، ولكن كل وفق حساباته وبعض النقاط التي لا يمكنه الخروج منها. وضربت مهلة جديدة لامكانية تشكيل الحكومة بعد عودة الرئيس من نيويورك. وبين هذه المواعيد، كانت التحذيرات الدولية تتفاعل. في حينها، كان من المفترض أن يعقد لقاء على هامش الجمعية العامة بين عون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكن اللقاء لم يحصل. وهناك من يعتبر أن ماكرون أراد توجيه رسالة استياء من الوضع في لبنان.
هذا الموقف الفرنسي، دفع الإليزيه إلى الدخول على خطّ التشكيل مرتين. الأولى من خلال جولة السفير الفرنسي لاستطلاع الآراء بشأن امكانية الاضطلاع بمبادرة فرنسية، لكن الجهود اصطدمت بتصلّب الوزير باسيل. ما يدفع البعض إلى الاعتبار أن الفرنسيين عرفوا أن باسيل هو المعرقل. والثانية هي زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي لإيصال رسائل تحذير للبنان من مغبة عدم تشكيل الحكومة، مع التأكيد على الحرص على الحريري وعلى التوازن في الحكومة. وهذه الزيارة تزامنت مع اللقاء القصير الذي جمع عون وماكرون في أرمينيا. وهناك من يعتبر أن ماكرون هو من طلب حضور باسيل هذا اللقاء، لإيصال رسائل تحذيرية متشددة، بأن الوضع غير مقبول. وربما الإشارة إلى عدم إيجاية اللقاء تجلّت في كلام عون، الذي قال إنه لم يذهب إلى أرمينيا لمناقشة الشق الحكومي، وهو شأن لبناني داخلي، وإذا ما أراد الحريري زيارته في القصر فأهلاً وسهلاً.
وكما كان الوضع في أرمينيا، كذلك كان في لبنان، في ما يخص نتائج زيارة المفود الفرنسي، إذ حذر الفرنسيون من أن تأخر التشكيل لن تؤدي إلى تسيير نتائج سيدر، لأن لا أحد من الدول المانحة سينتظر، خصوصاً أن الوضع في لبنان غير قابل للاصلاح. وما هو غير قابل للاصلاح، يقابل في الوضع السياسي حالياً بأن لا أفق أمام تشكيل الحكومة والأمور عادت إلى نقطة الصفر.