"عندما كنتُ في وزارة الصحة قمتُ بما أملاه عليّ ضميري". هذا ما ردّده رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية قبل الانتخابات النيابية في أحد لقاءاته، وما زال يردّده الآن في غالبية أحاديثه.
متسلّحاً بهذا المعيار، نجح فرنجية فعلاً في استقطاب مزيد من الشعبية الشمالية خصوصاً في المناطق الأكثر فقراً، كعكار وطرابلس ومحافظة الشمال.
"بمقدار قوة مشروعنا السياسي نحن أيضاً نكون أقوياء". وانطلاقاً من هذا الشعار الذي يردّده فرنجية دوماً في مجالسه أيضاً، قد يصحّ ما هو متداوَل من ترجيحات وتسريبات حول التشكيلات الوزارية الجديدة لحلحلة العقد الداخلية التي تعوق ولادة الحكومة، هذا في حال صح القول انّ العرقلة داخلية، لأنّ مؤشرات "الساعة" الجديدة لحكومة "الايام العشرة" توحي انّ عقاربها مرتبطة بدوران التطورات الخارجية، بدءاً من العقوبات المقبلة على "حزب الله" في الرابع من الشهر المقبل وصولاً الى لغز اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي شكّل مادة دسمة للجدل السياسي انعكست تداعياته سريعاً وبقوة على المشهد الخارجي وبدّلت مسارات تفاوضية عدة، أدرك المراقبون انها ستنعكس بنحو أو بآخر على التطورات اللبنانية الجارية، وهذا ما قد يفسّر التشاؤم الذي ساد بعد التفاؤل المزعوم باقتراب ولادة ما سُمّي "حكومة العهد الاولى".
وفي التعديلات الحكومية المتداولة تحت عنوان "حلحلة العقد الداخلية" معلومات ترجّح تَنازل "حزب الله" عن حقيبة وزارة الصحة لمصلحة تيّار "المردة"، على أن يتولى الحزب حقيبة وزارة "الاشغال" التي تشغلها "المردة" حالياً، وتتنازع عليها مع "التيار الوطني الحر" في الحكومة العتيدة.
هذه الخطوة محتملة. وعنها يقول المتابعون انّ "الحزب" يدرك جيداً انه إذا أخذ "الأشغال" بديلاً من "الصحة" يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد، وحَصّن موقع الحليف "الأقرب الى القلب" بمَنحه حقيبة وازنة كان فرنجية قد تولّاها لمدة 9 سنوات في عهود رئاسية عدة ونجح في إدارتها، وأغنَت مسيرته السياسية وعزّزت شعبيته بعدما ذاع صيته عن حسن أدائه فيها.
وبذلك يكون "الحزب" وبالحجر نفسه قد سحب حقيبة "الاشغال" من السجال السياسي المتفاقم بين التيارَين المسيحيَّين الحليفين الاستراتيجيين له. وعلى قاعدة ما يردّده فرنجية دوماً من أنّ "بمقدار قوة مشروعنا السياسي نحن أيضاً نكون أقوياء"، قد يكون "الحزب" ارتأى مبادلة "الصحة" بـ"الاشغال" مع "المردة" وحافظ عليهما عملياً وليس ظاهرياً، مُساعداً الدولة اللبنانية على تدوير الزوايا خارجياً فتنجو حقيبة "الصحة" من تداعيات العقوبات الآتية.
وفي هذه الحال لن يكون في مقدور "التيار الوطني الحر" الاصرار على تولّي حقيبة "الأشغال" التي "يُنيشِن" عليها منذ مدة.
"التعديلات الطارئة" المفترضة على التشكيلة الوزارية العتيدة استوقفت القريبين من "التيّار الأزرق" متسائلين: "إذا صحّت تلك التعديلات لجهة تولّي "حزب الله" حقيبة الأشغال فما الذي يمنع من ان يسري عليها خارجيّاً ما كان يمكن ان يسري على حقيبة الصحة إذا تولّاها؟.
وفي هذا السياق، يلفت هؤلاء الى نقاط عدة أبرزها:
1 ـ القروض المقررة لوزارة الاشغال في مؤتمر "سيدر".
2 ـ إلتزام لبنان القرار الدولي الرقم 1701.
3 ـ القروض على اختلافها المرتبطة بتأليف حكومة قوية وإجراء "إصلاحات الضرورة"، من مكافحة الفساد الى تحفيز الإنتاج وزيادة النمو.
الصحة أو الطاقة ؟
وتجدر الإشارة الى أنّ فرنجية، الذي نجح الى حد كبير في تولّي وزارة الصحة، قد يساويه "حزب الله" بنجاحه في سحب "الأشغال" من التداول السياسي وليس من "الجدل الصحي". لكن هل سيتمكن "الحزب" من تحييد تسلّمه وزارة الاشغال عن اعتراض خارجي يمكن ان يوقف القروض المخصَّصة لها؟ أم أنه سيتدارك الامر مسبقاً ويعيّن لها وزيراً شيعياً من التكنوقراط يكون خبيراً في شؤون الاشغال العامة والنقل وبعيداً عن الاجواء الحزبية؟
ثمّة من يقول انّ "التعديل" الجديد، اذا اعتُمد، سيوفّر على الرئيس المكلف حل عقدة أساسية من العقَد الداخلية التي تعوق التأليف. كذلك سيوفّر على تيّارَي "المردة" و"الوطني الحر" أزمة في شارعيهما بدأت تتفاقم بتسارع في الآونة الاخيرة، وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصاعدت أمس الاول بعد مقابلة رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل الذي "استخَفّ" بالحالة التي يمثّلها تيّار "المردة" وبأدائه في وزارة الأشغال، فضلاً عن الاستخفاف بالمصالحات المسيحية عموماً وبين "القوات اللبنانية" و"المردة" خصوصاً.
وقد تدفع التداعيات المتوقعة لكلام باسيل تيار "المردة" الى رفع سقف مطالبه والإصرار على تولّي وزارة الطاقة، في حال لم يتبادل و"الحزب" حقيبتي الصحة والأشغال، وذلك على قاعدتين:
ـ الأولى، أنّ فرنجية برعَ في قيادة كل الوزارات التي تولاها.
ـ الثانية، اذا وصلت إليك فهذا يعني أنها لم تدم لمَن سبقك ولن تدوم لك.