مع عودة عون من القمة الفرنكوفونية ووصول بري الى جنيف، ينتظر ان ينشط الحريري في اتصالاته لتوليد الحكومة، خصوصاً انّ مهلة الايام العشرة التي توقّع خلالها هذه الولادة بدأ تتقلّص، والاجواء الايجابية التي يشيعها البعض تتبدّد رويداً رويداً، وذلك في ضوء الكباش السياسي الدائر بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» عقب مقابلة رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل المتلفزة.

عون وماكرون

وكان عون قد توّج زيارته لأرمينيا بلقاء مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، تخللته خلوة بينهما دامت عشرين دقيقة قبل ان ينضمّ اليهما باسيل والمستشار الديبلوماسي للرئيس الفرنسي السفير فيليب اتيان.

وأوضح عون انّ الاجتماع «ليس بهدف تشكيل الحكومة، لأنّ هذا شأن لبناني بحت، لكنه يرغب طبعاً في تشكيلها، وخصوصاً بعد إجراء الانتخابات النيابية».

وعمّا اذا كان سيلتقي الحريري بعد عودته الى بيروت، قال: «ان الرئيس الحريري مرحّب به ساعة يشاء».

ولدى سؤاله اذا كان الرئيس الفرنسي ابلغ اليه انّ مؤتمر «سيدر» في خطر؟ أجاب: «عندما يصرّح الرئيس ماكرون بذلك ستعلمون بالأمر».

فرنسا وسلوك لبنان

ووفق معلومات «الجمهورية» فإنّ الاجتماع بين عون وماكرون كان عادياً، وركز على «ضرورة ان يقوم لبنان بدوره على الصعيد السياسي من تأليف حكومة وإجراء إصلاحات وتعزيز الوحدة الوطنية و»النأي بالنفس»، لكي تتمكن فرنسا وأصدقاء لبنان الآخرين من مساعدته.

وفي المعلومات انّ ماكرون كان صريحاً وواضحاً وجازماً مع عون «بأنّ فرنسا كانت وستبقى الى جانب لبنان، ومؤتمر «سيدر» لم تعقده من اجل ان تلغيه، لكنّ أموال هذا المؤتمر ليست أموالاً فرنسية، إنما هي أموال آتية من دول مانحة عدة. وبالتالي، فإن فرنسا لا تستطيع أن تستمر في «المَونة» على هذه الدول المانحة لمدة طويلة، اذا ظل الوضع اللبناني بلا حكومة قادرة على تلقّف مؤتمر «سيدر» والمشاريع المدرجة فيه.

لذلك، تضيف المعلومات، وبعيداً من لغة «الإنذار» كما يحبّ البعض التوصيف، كان هناك تحذير فرنسي بأنّ المجتمع الدولي ينتظر من دولة لبنان سلوكاً سياسياً إيجابياً، خصوصاً انّ هناك ضغطاً على باريس لكي تعيد النظر بهذه المساعدات في حال تأخّر تأليف الحكومة.

وفي هذا الاطار تحاشى الرئيس ماكرون التصريح لسببين: الاول، أنه لا يريد التحدث عن الموضوع الحكومي اللبناني لكي لا تُتّهم فرنسا بالتدخل في الشؤون الداخلية.

والثاني، لأنّ هذا الاجتماع لم يتوصّل الى حسم موضوع تأليف حكومة متوازنة تمثّل بعدالة مختلف القوى الوطنية في البلاد. الأمر الذي تصرّ عليه فرنسا وسائر دول مجلس الأمن باستثناء روسيا والصين، وتربط مصير تعاونها مع لبنان بنوعية الحكومة المقبلة».

وضع معقد

وبعد الاجتماع، ذكر مصدر فرنسي لبعض الاعلاميين الفرنسيين «ان الوضع في لبنان لا يزال معقداً، وانّ فرنسا تنتظر ان يتحمّل الاطراف اللبنانيون مسؤولياتهم».

في المقابل، قالت مصادر الوفد اللبناني لـ«الجمهورية» ان ماكرون «كان واضحاً في تعبيره عن اهتمامه بالوضع في لبنان، مكرراً تأكيد وضع قدرات فرنسا المختلفة لتعزيز الصداقة بين البلدين وتقديم الدعم الممكن متى طلب اللبنانيون ذلك.

وأكد انه، ووفق رؤيته للتطورات في المنطقة، فإنه يصر، ومعه حلفاء فرنسا ولبنان، على احترام سيادته وسلامته وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية لضمان الاستقرار الذي ينعم به.

وعلى المستوى الإنمائي والإقتصادي، اكد ماكرون انّ «سيدر 1» الذي شكل اكبر المبادرات الفرنسية بعد مسلسل مؤتمرات باريس الثلاثة التي عقدت سابقاً، يشكل رافعة للاقتصاد الوطني اللبناني، وانّ تنفيذ ما تقرر فيه هو على عاتق لبنان بمختلف مؤسساته والحكومة اللبنانية. ولذلك فهو يرى (اي ماكرون) انّ الاسراع في تشكيل الحكومة هو مطلب ملح لمصلحة اللبنانيين قبل غيرهم من الدول الصديقة والحليفة.

ولم يدخل ماكرون في اي تفاصيل حيال التحضيرات الجارية لتأليف الحكومة، وعبّر عن ثقته بالمسؤولين اللبنانيين مؤكداً انه يراقب التطورات في لبنان، وقد تلقّى تقريراً مفصّلاً من موفده الى بيروت، بيار دوكان، الذي التقى المسؤولين الكبار فيه خلال اليومين الماضيين، وانّ المساعدات الفرنسية الضرورية لمساعدة لبنان على تجاوز أزمة النازحين وتردداتها السلبية مستمرة، وكذلك بالنسبة الى مهمة القوات الدولية المعززة «اليونفيل» العاملة في جنوب لبنان».

وأضافت المصادر: «من جهته أسهَب الرئيس عون في شرح الواقع في لبنان، وتناول الهواجس التي تنتابه نتيجة أزمة النازحين وتلكؤ المجتمع الدولي في اعتماد سياسة واضحة لإعادتهم الى بلادهم، معدداً النتائج السلبية المترتبة على حجم النزوح وما تركه من آثار على مختلف نواحي الحياة في لبنان.

ولفت عون الى تهديدات الإسرائيليين المستمرة تجاه لبنان ومخاطر قيامهم بأي مغامرة ضده، مشدداً على تمسّك لبنان بحقوقه في الحدود البرية والبحرية وحماية الثروة النفطية التي يستعد للمباشرة في استكشافها».

«القوات»

داخلياً، لم يمرّ كلام رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل مرور الكرام في معراب، إذ لقي ردات فعل كان أعنفها للنائب ستريدا جعجع، في وقت قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ ّباسيل ما بين مؤتمره الصحافي وبين إطلالته المتلفزة «تَقصّد ان يعيد الامور الى المربّع الاول ووضع العراقيل تلو العراقيل، وهو عملياً أثبت انّ هناك استحالة للتوصّل معه الى مساحات مشتركة أو انطلاقاً من المعادلة التي وضعها الرئيس بري للوصول الى تنازلات متبادلة.

ولذلك، كل الاتكاء يجب ان يكون على الحوار بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، لدفع الامور قدماً وتأليف حكومة تعكس صحة التمثيل الفعلي وتجسّد التوازن الوطني المطلوب، لأنه من الواضح انّ باسيل لا يريد تأليف حكومة حيث انه يكرر العقَد نفسها، من تمثيل «القوات» خارج إطار حجمها التمثيلي الفعلي، الى العقدة الدرزية، الى افتعاله عقدة «المردة»، الى ما هنالك من مسائل. وبالتالي، الامور عملياً ستبقى تراوح مكانها في انتظار ان يستأنف الرئيس المكلف مشاوراته مع رئيس الجمهورية، ونحن كلنا ثقة برؤية الرئيس المكلف وبعمله الدؤوب للوصول الى الحكومة التي تعكس تطلعات اللبنانيين في المرحلة المقبلة، وسنبقى نشاطره تفاؤله في انتظار تأليف الحكومة العتيدة».

جعجع

وكانت النائب جعجع قالت في بيان: «في هذه اللحظة التاريخية بالذات ينبري الوزير باسيل للحديث عن موضوع المصالحة بين «القوات» و«المردة» بأسوأ وأخبث طريقة مُمكنة، ملؤها الحقد والشرّ والنيات السلبية حيال الطرفين».

وأضافت: «في ما يتعلّق بالتشكيلة الحكومية كما نصّ عليها اتّفاق معراب، فكالعادة حَوّر الوزير باسيل هذا البند في التفاهم وأخرجه بشكل مختلف تماماً عمّا هو عليه في نصّ الاتّفاق».

وقالت: «في ما يتعلّق بالمقاييس لتشكيل الحكومة، لا يعود للوزير باسيل وضع المقاييس التي يضعها الرئيس المكلّف بالتشاور مع رئيس الجمهورية، أو مجموع الكتل النيابية المكوّنة للمجلس النيابي، وعلى رغم ذلك يصرّ باسيل على مصادرة هذا الحق لنفسه.

أمّا لجهة رغبة الوزير باسيل بأن تتولّى «القوات اللبنانية» حقيبة سيادية، وأنّ القوى السياسية على اختلافها تعارض تسلّم «القوات» حقيبة سيادية، فهذا الكلام محض تضليل، ويكفي استعراض مواقف كل الأطراف منذ بدء تشكيل الحكومة لتبيان وتأكيد أنه لا يوجد أيُّ موقف معارض لتسَلّم «القوات» حقيبة سيادية، باستثناء الوزير باسيل».

«التيار» لـ«الجمهورية»

وفيما يلقي باسيل كلمة مساء اليوم في الاحتفال المركزي الذي يقيمه «التيار الوطني الحر» في «نيو بيال» ـ فرن الشباك، في «ذكرى 13 تشرين» بعنوان: «من البداية... الى اللانهاية»، ويتخلل الذكرى احتفاء بالمنتسبين الجدد، قالت مصادر بارزة في «التيار» لـ«الجمهورية»: «ان ردّة فعل «القوات» على مواقف الوزير باسيل تعكس ضياعها وافتقادها لميزان العقل في تقييم الأمور، والتغطية على ذلك بلغة الشتائم».

واكدت انّ باسيل «كان حريصاً في مقابلته المتلفزة على قول الحقيقة، رغم انها محرجة في بعض الأحيان، لكنها تحرر».

واضافت: «التيار الوطني الحر» هو الذي خطّ نهج المصالحة بين اللبنانيين منذ عودة العماد عون في العام 2005، وبالتالي لا أحد يزايد عليه في تشجيع التلاقي والمسامحة، لا بل انّ كلام الوزير باسيل كان من باب الدعوة الى استكمال المسامحة وفتح صفحة جديدة من العلاقات بعد تشكيل الحكومة بين جميع الأطراف، ولاسيما منهم الأطراف المسيحية».

وأسفت المصادر «لمواصلة «القوات» سياسة إضعاف موقع رئاسة الجمهورية. فهي في البيان الذي وقّعته النائب ستريدا جعجع تعترف بحصة وزارية لرئيس الجمهورية، لكنها تحتسبها من الحصة النيابية لـ«التيار الوطني الحر» بدل الإقرار بحصة مستقلة له، بغضّ النظر عن وجود كتلة نيابية مؤيدة له.
امّا في ما خصّ المعايير فمن المستغرب ان يُمنع رئيس تكتل نيابي من إبداء رأيه، أو أن يفكر في شأن وطني مهم كتأليف الحكومة. ومن الطبيعي أن ترفض «القوات» المعايير التي شرحها الوزير باسيل، وأن تغمض عينيها عن الحقائق، بدليل احتسابها عدد نواب التكتل بـ20 نائباً واحتساب التسعة المتبقّين من حصة الرئيس».

واعتبرت انّ «هذا السلوك يعكس النيات التي أسقطت اتفاق معراب، ويكشف انّ الكلام عن دعم العهد وصلاحيات الرئيس لم ينبع من اقتناع راسخ، بل من مصلحة ظرفية، فكيف يريدون أن نأمن لهم؟ هداهم الله الى طريق الصواب».

نصرالله

وفي الشأن الحكومي، أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أن ليس لديه أي جديد في مسألة التأليف، وقال: «نحن كالعادة مثل بقية القوى السياسية نحضّ على تأليف الحكومة. للأسف على رغم أننا قلنا مرة واثنين وثلاث وأربع إننا نحضّ على تأليف الحكومة من أجل المصلحة الوطنية، لكنّ البعض مصرّ على أن يقول لأنّ «حزب الله» محشور في الإقليم. أين هو محشور في الإقليم؟ لا محشورين لا في الإقليم ولا في العالم، نحن لسنا محشورين ولا «مِنضاقين» ولا مزعوجين ولا شيء من هذا القبيل».

وشدد على «انّ إيران وسوريا لا تتدخلان في مسألة تأليف الحكومة «لا من قريب ولا من بعيد».