على رغم التناقض في المواقف، والتضارب في المعلومات حول إمكان ولادة الحكومة قبل نهاية الشهر الجاري، قالت مصادر لصيقة بالمعنيين بالتأليف لـ«الجمهورية» انّ الولادة الحكومية «باتت قريبة جداً، وأقرب ممّا يعتقد البعض»، بحيث سيشهد مطلع الاسبوع المقبل حركة اتصالات مكثفة، يتمّ خلالها الاتفاق نهائياً على توزيع الحقائب، ليُجري بعدها الرئيس المكلف سعد الحريري جولة سريعة على القوى السياسية، لأخذ الاسماء المرشحة لتولّي المناصب الوزارية، ويحملها الى قصر بعبدا لجوجلتها مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، واذا اتفقا عليها يتم التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سيكون في جنيف التي سيتوجّه إليها اليوم. وفي هذه الحال، ربما يختصر بري زيارته ويعود تمهيداً لإعلان مراسيم الحكومة.

عون وماكرون

وفيما كان السفير بيار دوكان، موفد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر»، يجول في لبنان على بري والحريري، كانت الانظار شاخصة الى ارمينيا ترقّباً للقاء المُنتظر بين الرئيسين اللبناني والفرنسي على هامش القمة الفرنكوفونية المنعقدة في يريفان.

وعلمت «الجمهورية» من مصادر الوفد الرسمي اللبناني انّ مواضيع البحث المحددة لهذا اللقاء الذي سيُعقد في قاعة جانبية من المبنى الذي يستضيف القمة الفرنكوفونية، يتصدّرها موضوع تأليف الحكومة ومؤتمر «سيدر» وملف النازحين السوريين، وسيمتد على مدى ساعة ويشارك فيه الوزير جبران باسيل.

وكان عون وماكرون تصافحا أمس على هامش الجلسة الافتتاحية للقمة الفرنكوفونية، ونَفت مصادر الوفد اللبناني علمها بأيّ مبادرة يحملها ماكرون، لكنها أكدت في المقابل انها تنتظر للاطلاع على موقفه من الملفات المطروحة على بساط البحث، علماً انّ المعلومات التي رشحت قبَيل هذا اللقاء، تُفيد انّ ماكرون سيحضّ المسؤولين اللبنانيين على الاسراع في تأليف الحكومة إنقاذاً لقرارات مؤتمر «سيدر».

دوكان

وكان دوكان أكد امس من «بيت الوسط» أنّ «اللقاءات مع الحريري وبري والمسؤولين الآخرين تُظهر رغبة الجميع بتطبيق مشاريع «سيدر»، والاصلاحات، وتأمين التمويل، وكل شيء سيطبّق عند تأليف الحكومة».

وقال: «متابعة لمؤتمر «سيدر» والخلاصات التي توصّلنا إليها فيه، فقد وضعنا 3 آليّات: إيجاد موقع إلكتروني يمكن للجمهور العريض الاطلاع عليه لمتابعة المشاريع وتمويلها والإصلاحات، وإيجاد فريقي تنسيق، فور تأليف الحكومة، أحدهما محلي لبناني والآخر يجمع ممثلي الدول الأساسية والمنظمات المانحة برؤية أكثر استراتيجية، وبالتالي هناك أعمال تفكير وتأمل، وهذا لا يمكن أن يتم إلّا بعد تشكيل حكومة، لأنه لا يمكننا استباق القرارات السياسية التي يمكن هذه الحكومة أن تتخذها، ولتحضير الأمور تقنياً أيضاً».

وثمّن المسؤول الفرنسي عالياً إقرار مجلس النواب سلسلة قوانين تتعلق بمؤتمر «سيدر» من تهيئة الأجواء حتى لا تضيع 6 اشهر أخرى غير الاشهر الستة الماضية.

«المستقبل»

وفي معلومات لـ«الجمهورية» ان ليس على جدول أعمال الحريري اي سفر الى الخارج حالياً، وانه ينتظر عودة رئيس الجمهورية من يريفان للاجتماع معه مجدداً. علماً أنّ الحريري كان قد استند في تفاؤله بولادة الحكومة قريباً، الى نتائج لقائه الاخير مع رئيس الجمهورية، فأعلن انّ الحكومة الجديدة ستولد في غضون أسبوع الى عشرة ايام، داعياً سائر الاطراف الى تقديم التضحيات ومؤكداً انّ على الرئيس عون ان يضحّي أيضاً.

وعن سبب تلويح الرئيس المكلف بالاعتذار، أوضحت مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية» انّ إعلان الحريري «رفضه إعادة تكليفه مرة ثانية في حال اعتذاره، جاء في سياق رد على سؤال يتعلق بما نقل عن رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل بأنه «سيعاد تكليف الحريري في حال فشله في التأليف، لكن وفق شروط وأسس جديدة»، فقال الحريري انه إذا اعتذر فليس من اجل ان يقبل بالتكليف مجدداً، والّا ما معنى لاعتذاره».

وإذ جددت المصادر تأكيدها «ان لا حكومة ستؤلّف من دون «القوات اللبنانية»، أوضحت «انّ الصيغة التي قدمها الرئيس المكلف الى رئيس الجمهورية ـ وبغضّ النظر عمّا اذا كانت تحتاج الى بعض التعديلات ـ هي قادرة بخطوطها العريضة على إيصالنا الى الحكومة العتيدة، لكنها تتطلب من الجميع ان يتنازلوا قليلاً عن طموحاتهم».

أحمد الحريري

من جهته، اكد الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري «أنّ الرئيس الحريري مرتاح لأنّ ضمانته الدستور»، متسائلاً «يريدون أن يلعبوا بالدستور وبتوازنات البلد؟ هل بيحملوها؟».

وقال لـ«الجمهورية»: «حاليّاً هناك دستور يكتب في سوريا شبيه بدستورنا، ودستور العراق صار شبيهاً لدستورنا، كذلك الأمر في اليمن وليبيا واليمن... إذا أرادوا اللعب بمعايير (اتفاق) الطائف، فإنّ اللعب بالتوازنات ستكون نتائجه علينا جميعاً». وأشار الى انّ «هذه التوازنات أنهت حرباً أهلية»، مؤكداً في الوقت نفسه أنّ تيار «المستقبل» لن يكون شريكاً في أي لحظة بأيّ نزاع أهلي، لكن كيف يمكن ضبط الناس وردّات فعلها في حال تمّ التلاعب بهذه التوازنات، كالحديث الذي نسمعه تكراراً عن إمكانية سحب التكليف أو فرض معايير معينة على الرئيس المكلف».

وتساءل: «من كان يتوقّع حصول هذه الزلازل في المنطقة؟ المهم أن لا نذهب بأرجلنا الى الهاوية تلبية لرغبات خارجية، خصوصاً أنّ في الامكان استخدامنا في أيّ لحظة ساحة لتوازنات وحسابات أكبر منّا».

وفي ما يتعلق بالمهلة التي حددها الرئيس المكلّف لولادة الحكومة، أكد الحريري أنّ «المسار واضح. حتى الآن معادلة الثلاث عشرات هي التي تفرض نفسها، مع أخذ وردّ في موضوع الحقائب»، لافتاً الى «أنّ إحدى العوائق الرئيسية هي فتح معركة الرئاسة باكراً من جانب باسيل وجعجع وفرنجية».

ولفت الحريري الى أنّه «كان واضحاً منذ البداية أنه سيكون هناك صعوبات في تشكيل هذه الحكومة، لأنها حكومة ستستمر لـ4 سنوات، وستواكب استحقاقات الانتخابات البلدية والنيابية والرئاسية، كذلك هناك ملفات إقليمية على وشك الاقفال، أي الملف الفلسطيني وسوريا والعراق... وبالتالي كل طرف سيحاول تحسين شروطه داخلها»، لافتاً الى أنّ «الطرف الشيعي هو الأكثر تسهيلاً».

ورأى أحمد الحريري أنّ «اهتزاز اتفاق معراب أدى الى عودة التشنج، ولا بدّ من إعادة لمّ الشمل، إذ لا يعقل من أجل مدير عام أو وزير أو حقيبة أن تضرب فرصة تاريخية كهذه»، لافتاً الى أنّ «المطلوب حكومة وحدة وطنية مُنتجة يتمثّل فيها الجميع وليس حكومة خناقات ونكايات».

وقال: «عمل الحكومة سيشكّل آخر فرصة للطبقة السياسية لكي تضع وجهها في وجه الناس، والّا فإنّ 50% ممّن امتنعوا عن التصويت في هذه الانتخابات سيشاركون عام 2022 ويسقطون هذه الطبقة».

«الحزب»

وفي هذه الاجواء، وعشيّة خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في الاحتفال التأبيني للحاجة آمنة سلامة، والدة القائد الجهادي الراحل عماد مغنية، والذي سيتناول في جانب منه التطورات السياسية وبينها الشأن الحكومي، شكّكت مصادر الحزب في إمكان ولادة الحكومة قريباً، وقالت لـ«الجمهورية»: «في تقديرنا ان لا حكومة قريباً في ظل الصعوبات الداخلية وعقد التشكيل القائمة والمعروفة. لذلك نشكّك في أن تؤلف الحكومة العتيدة ضمن مهلة الايام العشرة التي حدّدها الرئيس المكلف».

راوح مكانك

الى ذلك، أكد مصدر مشارك في المفاوضات مع «القوات اللبنانية» أنّ «الأمور كانت حتى أمس لا تزال تراوح مكانها على خط العقدة المسيحية»، كاشفاً «أنّ معراب لم تتلق بعد عرضاً وزارياً مُنصفاً ومقنعاً يلبّي الحد الأدنى من حقوقها المشروعة».

وأشار المصدر إلى «أنّ تحديد الوجهة نحو السلبية أو الإيجابية يتوقف إلى حد ما على المواقف التي يتخذها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل».

وأكد باسيل، في حوار تلفزيوني مساء أمس، أن لا مشكلة لديه مع الحريري. وقال: «كثيرون يتمنّون أن تكون هناك مشكلات بيننا ولكن لن يستطيعوا. وأنا جبران باسيل وموقعي هنا ليس لأنني «الصهر»، بل لأنني نائب منتخب ورئيس تكتل».

وأضاف: «انّ مؤتمري الصحافي الاخير سَهّل ولم يعرقل، واذا كنّا خارج الحكومة فإننا لن نخرّب، وانا لم أعرقل الحكومة بل سَهّلت وقلت إننا مستعدون لعدم المشاركة فيها».

ورأى باسيل انّ «من حق الرئيس مع أكبر تكتل نيابي ان ينال وزارة الداخلية او «المالية»، ولم نتمسّك بالحقيبتين لكي لا يقال اننا نعرقل، ولم نضع أي شروط ونريد الحصة العادلة للجميع».

وأضاف: «لم أضع شرطاً على شيء في بداية الامر في تشكيل الحكومة، ونحن نتحدث اليوم عن معيار أنّ الحياة بلا معايير لا يمكنها ان تستمر».

ولفت الى أنّ «التيار الوطني الحر» لا يمانع ان تنال «القوات اللبنانية» حقيبة سيادية، ونحن عرضنا ان تأخذ «الخارجية»، فقيل لنا انّ هناك ممانعة، فطرحنا على الحريري إعطاءها «الداخلية» وليأخذ هو «الخارجية» فلم يتم الأمر».

واشار الى انّ «لدى القوات أقلّ من 25 في المئة من مجمل أصوات المسيحيّين، ويحقّ لها 3 وزراء نسبة لعدد نوّابها».

أضاف: «لستُ أنا من يضع المعيار بل أقترح، ولا أخجل ان أقترح، ولا حكومة بلا حصة لرئيس الجمهورية. رئيس الجمهورية ميشال عون طلب أن يضع هذا العرف في الدستور»، لافتاً إلى أنّ «الخطيئة الاستراتيجية هي عدم احتساب حصة رئيس الجمهورية. قمنا بمعركة منذ 2005 حتى يصل رئيس ميثاقي، نحن لا نفكر فقط باليوم وهذا المعيار يحقق استقراراً في الحكم وتوازناً، وهذا الأمر أساسي، وهذه هي فكرة الرئيس القوي ولقد أدّت الى شراكة وتوازن».

وقال: «أنا لستُ مرشحاً لرئاسة الجمهورية إحتراماً للرئيس عون ولنفسي، والرئاسة هي مع فريقنا الآن».

وعن التقارب بين «القوات» و«المردة»، قال باسيل: «يجب أن يحصل، وإذا استطاع فرنجية أن يسامح مَن قتل عائلته يمكن أن يسامح من أخذ الرئاسة من أمامه»