من حقنا أن نتساءل عن معنى أن لا يستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقوع حرب جديدة على غزة. يمكننا التفكير، على سبيل الجدل، في أن حركة حماس مازالت في حاجة إلى المزيد من الاعتراف الإسرائيلي بكونها جماعة إرهابية يهدد وجودها أمن إسرائيل واستقرارها. بالرغم من أن الحركة نفسها قد أبدت مرونة علنية في ذلك المجال في سياق ما تلعبه من دور خطير في تقريب وجهات النظر بين إسرائيل ودول إقليمية ترفع شعار العداء لإسرائيل.
ينطلق بنيامين نتنياهو في حديثه عن تلك الحرب من حاجة إسرائيلية بالتأكيد. تلك الحاجة لن تكون عسيرة الفهم بالنسبة لقادة حماس الذين لا يعنيهم ما يمكن أن يلحق بقطاع غزة من أضرار ما دامت سلامتهم الشخصية مضمونة.
في حقيقة الأمر فإن قطاع غزة لو كان محتلا من قبل الإسرائيليين بشكل مباشر لكان أفضل حالا من واقعه الرثّ والمبتذل في ظل هيمنة حركة حماس عليه. ذلك الأمر المؤسف لا يمكن التغاضي عنه لأسباب وطنية، ذلك لأن حماس نفسها ليست حركة وطنية.
علينا أن نصدق أن حماس حركة دينية لا تؤمن بوطن اسمه فلسطين. وما الشعارات التي تطرحها في شأن الوطن الفلسطيني إلا غطاء تتستر من خلاله على نزعتها الإخوانية الأصيلة التي يختصرها شعار “الإسلام وطننا”.
حماس باعتبارها جماعة دينية لا وطن لها سوى الإسلام.
وهو ما يعرفه الإسرائيليون جيّدا. لذلك تعاملوا معها باعتبارها وسيطا بينهم وبين الدول التي تمولها. وهي دول تتوزع بين قطبيْ معادلة الثورية المحافظة التي تلتزم بالقبول الخفي بإسرائيل مقابل التنديد بها علنا. ولم تكن حركة حماس إلا جهازا لجس النبض الإسرائيلي.
في الماضي عملت حماس على تزوير النضال الوطني الفلسطيني من خلال وضعه بين قوسي الممولين وإسرائيل. ولقد كانت الحركة كريمة حين كانت تتيح للآخرين فرصة النيل من الفلسطينيين، سواء من خلال تدميرهم، أو من خلال الإشفاق عليهم وإعمار جزء مما تم تدميره.
أما حين أصبحت غزة مجرد أزمة إنسانية فقد تم طمر القضية الفلسطينية بركام من الصدقات والإعانات والمكرمات والبيانات التي لا يردُ فيها ذكر للحق التاريخي.
المشكلة أن الكثيرين يركزون على انفصال قطاع غزة عن سلطة رام الله. كما لو أن إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع ستحول دون أن يتحول إلى مستعمرة إخوانية. وهو أمر ليس صحيحا. فالسلطة هي طرف مستفيد من خروج القطاع عن سيطرتها، ذلك لأنه يعفيها من المسؤولية عن أكثر من مليون فلسطيني يعيشون في أسوأ الظروف الإنسانية في ظل هيمنة جماعة دينية، ترعى مصالحها ومنافعها الدنيوية بمعزل عن شروط العيش القاسية التي تفرضها على الشعب الذي يمكن التعامل معه باعتباره أسيراً.
ولكن لمَ الحاجة إلى حرب جديدة يدفع ثمنها الأبرياء؟
أطراف عديدة في المنطقة تحتاج إلى تلك الحرب التي لن تتردد حركة حماس في أن تكون طرفا فيها. لا لشيء إلا لأن تلك الحرب ستكون مدفوعة الثمن مسبقا، إضافة إلى أنها ستضمن لإسرائيل نشاطا حربيا يبعدها عن الساحة السورية التي شكل إسقاط الطائرة الروسية من قبل الدفاعات السورية فيها نذير شؤم، سيكون من الصعب على إسرائيل بعده أن تمارس هوايتها في قصف مواقع داخل الأراضي السورية.
وليس بخاف على أحد أن ممولي حماس يمرون اليوم بأوقات عصيبة لأسباب مختلفة، غير أنها تجتمع عند نقطة واحدة هي شبهة دعم وتمويل الجماعات الإرهابية. ذلك الضيق الذي يشعر به الممولون قد تجد له حركة حماس حلا من خلال حرب، لن تتردد إسرائيل في شنها لغاية سبق ذكرها. أما شعب غزة فلن يحصد إلا البكاء وبيانات الرثاء وسفت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.